تتجه أنظار العالم حاليًا نحو القمة المناخية COP28 التي تُعقد في دبي، حيث تعتبر هذه الفعالية من أهم المحطات في المفاوضات الدولية حول التغير المناخي. يترقب الجميع ما إذا كانت الدول المشاركة ستتمكن من الوصول إلى اتفاق جماعي بشأن تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهي خطوة تُعتبر حاسمة لمواجهة التحديات المناخية. تتزايد التقارير التي تشير إلى وجود بوادر إيجابية في حوارات هذا العام. وتعبّر حكومة الإمارات العربية المتحدة، الدولة المضيفة للقمة، عن تفاؤلها الحذر حيال إمكانية تحقيق تقدم كبير بشأن تقليص الانبعاثات الغازية التي تسهم في ارتفاع درجة حرارة الكوكب. هذه المرة، تصدرت فكرة تقليص الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري المناقشات، ما يعد تحولًا جذريًا مقارنةً بالسنوات الماضية. من المثير للدهشة أن فكرة الوقود الأحفوري كانت موضوعًا محظورًا تقريبًا في القمم السابقة. على سبيل المثال، كان النقاش حول مستقبل الوقود الأحفوري محدودًا في قمة COP26 التي عُقدت في غلاسكو عام 2021، حيث تم الاتفاق على وعد خجول لتقليص استخدام الفحم، وهو أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلوثًا. ولكن الآن، يبدو أن هناك اعترافًا متزايدًا بأن قضية الوقود الأحفوري لا يمكن تجاهلها، وأن التعامل معها يعد خطًا أساسياً في أي استراتيجيات لتخفيف آثار تغير المناخ. ليس هناك شك أن فكرة التخلي عن الوقود الأحفوري بشكل كامل ستواجه تحديات هائلة. من غير المتوقع أن تتوصل الدول إلى موعد نهائي لإنهاء استخدام هذه الموارد، وهذا ما قد يكون مثار جدل كبير. الغريب أن الإمارات، حيث تُقام القمة، تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز، ما يضيف بعدًا إضافيًا للنقاشات حول مستقبل الطاقات الأحفورية. سُلط الضوء على فكرة "إخضاع" الوقود الأحفوري إلى تقنيات أقل انبعاثًا. بدلاً من وقف الاستخدام تمامًا، يمكن تحسين تقنيات استخراج الوقود الأحفوري لتقليل الأضرار البيئية. يُعتبر ضبط الانبعاثات الناتجة عن هذه العمليات مطلبًا ملحًا لتحقيق الأهداف المناخية. ومع ذلك، يظل السؤال المحوري: هل يمكن للعلم أن يوفر الحلول التكنولوجية الكافية لتيسير هذا الانتقال في الأمد القريب؟ سُلط الضوء أيضًا على الدور الهام لرئيس قمة COP28، سلطان الجابر، الذي يتولى أيضًا رئاسة شركة أدنوك، إحدى الشركات النفطية الرائدة في الإمارات. يبدو أن الجابر يسعى جاهداً لإحداث تحول جذري في التعاملات البيئية، حيث يدعو جميع الأطراف إلى تقديم مقترحات بشأن كيفية الخفض التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري. تجدر الإشارة إلى أن الجابر يسعى للوصول إلى "أرضية مشتركة" لتحقيق توافق على النصوص النهائية لقمة COP28. إن رسالته بالغة الأهمية، حيث إنه يدعو الدول للتعاون، بدلًا من الانقسام حول هذا الموضوع الحساس. يُعتبر تبني فكرة تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري بمثابة خطوة جريئة. بالفعل، أعربت أكثر من مائة دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عن دعمها لفكرة التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري. وردت إشارات مشجعة من الصين، التي كانت دائمًا تُعتبر عقبة أمام أي تقدم ملموس في هذا المجال، حيث أشارت إلى إمكانية تحديد أهداف لتقليل الانبعاثات في مجال توليد الكهرباء. توجد أيضًا معضلات سياسية، إذ لا يمكن إغفال دور روسيا والسعودية، وهما من أكبر منتجي النفط في العالم. كان يُخشى أن تتعثر المحادثات بسبب مقاومة هاتين الدولتين لفكرة تقليص الوقود الأحفوري. لكن يبدو أن هناك نقاط التقاء محتملة قد تُسهّل التوصل إلى اتفاق. تشير التقارير إلى أن العقول التجارية في السعودية تدرك أن تبني التوجه المناخي قد يُعزّز سمعة البلاد ويسهم في تحسين بيئة الأعمال. في الوقت نفسه، يمثل هذا التحول تحديًا كبيرًا، فالسعودية، رغم دعم بعض متاجرها الأم، أبدت مقاومة واضحة للمشاركة في هذا النوع من التعهدات خلال الاجتماعات الأولى. رئيس الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، قد صرح بعدم دعم بلاده لفكرة تقليص الوقود الأحفوري. في النهاية، وبغض النظر عن النتائج النهائية لقمة COP28، تبقى الحقيقة واضحة: هناك تحول حقيقي في الطريقة التي نتحدث بها عن الوقود الأحفوري. لم تعد الموضوعات المرتبطة به تُعتبر تابوهات، بل تتصدر الآن الأجندة المناخية العالمية. إذا استطاعت القمة تحقيق توافق حول المرحلة القادمة، فسيكون ذلك بداية عصر جديد في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ. إن الرغبة في الانتقال نحو استخدام مصادر طاقة أنظف لن تضيف فقط قيمة للاقتصادات العالمية، بل ستعزز من السمعة المرغوبة للدول التي تحقق هذا التقدم. في الأفق، يُمكن أن تُعيد رؤية شاملة لمستقبل الطاقة كيفية تفكير الدول الكبرى والاستثمارات الكبيرة في التقنيات البديلة. بينما نستعد لمتابعة أعمال قمة COP28، يجب على العالم أن يراقب وأن يكون جاهزًا لاتخاذ خطوات جريئة. في نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر بمستقبل النفط والغاز، بل بمستقبل الكوكب بأسره.。
الخطوة التالية