في نهاية أغسطس من العام الماضي، ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 17%، ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد؛ حيث قفز المؤشر مجددًا هذا العام ليصل إلى ارتفاع يقارب 19%. مع هذا الزخم الإيجابي، يتساءل الكثيرون: إلى أي مدى يمكن أن يرتفع المؤشر خلال هذا العام؟ وما الذي تخبرنا به التاريخ حول أداء الأسواق المالية في مثل هذه الظروف؟ تاريخيًا، تُظهر البيانات أن الأداء القوي لمؤشر S&P 500 في الأشهر الثمانية الأولى من العام غالبًا ما ينعكس إيجابيًا في الأشهر الأربعة الأخيرة. على سبيل المثال، في عام 2023، ارتفع المؤشر بنسبة 5.6% بين الأول من سبتمبر و31 من ديسمبر، بعد تحقيق مكاسب بنسبة 17.4% في الأشهر الثمانية الأولى. هل هذا الأداء متميز؟ في الواقع، يعتبر ذلك معتادًا جدًا. منذ عام 1994، كان متوسط ارتفاع مؤشر S&P 500 في الأربعة أشهر الأخيرة من العام هو 4.34%. ومع ذلك، يتأثر هذا المتوسط بشكل كبير بالأزمة المالية الكبيرة في عام 2008، حيث كانت هناك انخفاضات حادة. ولكن، إذا نظرنا إلى الأداء التاريخي خلال السنوات التي حقق فيها المؤشر مكاسب في الأشهر الثمانية الأولى، فإن الأرقام تبدو أكثر تفاؤلاً. حيث أن متوسط العائد في الأشهر الأربعة الأخيرة من تلك السنوات كان 4.71%، بينما كانت المكاسب الوسيطة 7.2%. لماذا نرى هذه النسب المرتفعة الخاصة بالفترات التي يسجل فيها المؤشر مكاسب مرتفعة في البداية؟ نجد أن المؤشر يميل إلى الاستمرار في الاتجاه الصعودي عندما يكون لديه زخم إيجابي في وقت سابق. حيث كان متوسط الارتفاع في الأشهر الأربعة الأخيرة من السنوات التي شهدت زيادة تزيد عن عشرة بالمئة في الأشهر الثمانية الأولى حوالي 8.61%، مع مكسب متوسط قدره 9.24%. لكن لا يقتصر الأمر على الأداء المعتاد، فهناك عوامل أخرى تلعب دورًا في تحديد حركة الأسواق. واحدة من هذه العوامل هي انتخابات الرئاسة الأمريكية. تُظهر البيانات من Morningstar وIbbotson Associates أن متوسط عائد مؤشر S&P 500 في سنوات الانتخابات الرئاسية يتجاوز 11.28%. على سبيل المثال، ارتفع المؤشر بنسبة 16% في عام 2020 على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها الأسواق في بداية العام بسبب جائحة COVID-19. وماذا عن أداء المؤشر في الأشهر الأربعة الأخيرة من سنوات الانتخابات؟ التاريخ يحدثنا أن العائد لم يكن كبيرًا جدًا، ولكنه ليس سيئًا. منذ عام 1972، كان متوسط المكاسب للمؤشر في الأشهر الأربعة الأخيرة من سنوات الانتخابات الرئاسية حوالي 1.85%. بالطبع، يُحتمل أن يكون هذا الرقم قد تأثر بانهيارات سوق الأسهم في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وفي أواخر عام 2008. ومع ذلك، كان الأداء الوسيط هو 4.72%، مما يظل رقمًا جيدًا. لما تؤثر الانتخابات الرئاسية على الأسواق المالية؟ أحد التفسيرات هو أن الحزب الحاكم يسعى بكل جهوده لدعم الاقتصاد وتعزيز الأداء المالي للحفاظ على السلطة. من ناحية أخرى، يسعى المرشح المنافس لتقديم نفسه كخيار أفضل، مما يعكس بدوره إيجابية تدعم السوق. لذا، مع هذا التاريخ من الأداء الإيجابي لمؤشر S&P 500 في الفترات السابقة التي شهدت مكاسب ملحوظة، يمكن أن نتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في المستقبل القريب. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الأسواق المالية تتأثر بالعديد من العوامل الاقتصادية والسياسية. على سبيل المثال، تبعات التوترات التجارية العالمية، والتغيرات في أسعار الفائدة، والتقلبات في أسعار النفط، قد تكون لها تأثيرات سلبية على الأسواق. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تكون هناك عوامل غير متوقعة، مثل الأزمات الصحية أو الكوارث الطبيعية، التي قد تؤثر على الاقتصاد بأكمله. لذا، بينما تشير البيانات التاريخية إلى إمكانية ارتفاع مؤشر S&P 500 في الأشهر القادمة، فليس هناك ضمانات. ختامًا، في ظل الأجواء الحالية، هناك نسبة كبيرة من التفاؤل بشأن استمرار أداء المؤشر في الصعود. ومع ذلك، يجب على المستثمرين أن يكونوا يقظين ومستعدين للتعامل مع المتغيرات المفاجئة. إذا ما استمر الزخم، فنحن أمام فرص مثيرة للاستثمار، ولكن الحذر دائمًا هو الشعار الأهم في عالم المال. إذا كان هناك أحد الدروس التي يمكن أن نتعلمها من التاريخ، فهو أنه لا يمكن الاعتماد على الماضي كضمان للمستقبل. بينما يشير التاريخ إلى الأداء القوي في حدود معينة، فإن العوامل الاقتصادية والسياسية تظل متغيرة. لذلك، يجب على المستثمرين الدراسة الجيدة وفهم الأسواق بشكل عميق قبل اتخاذ قرارات استثمارية. في النهاية، ستظل متابعة أداء الأسواق المالية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أي مستثمر ناجح.。
الخطوة التالية