في خطوة تعتبر ذات دلالات عميقة في الصراع الإقليمي، قامت السلطات الإسرائيلية مؤخرًا بمصادرة ملايين الدولارات من الأصول المشفرة المنسوبة إلى قوة القدس الإيرانية وحركة حزب الله اللبنانية. تأتي هذه العملية في إطار جهود إسرائيل المستمرة لتعطيل الأنشطة المالية للتنظيمات المدعومة من إيران، والتي تُعتبر تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي. تعتبر الأصول المشفرة، مثل البيتكوين والإيثريوم، أدوات حديثة يمكن أن تتيح لتلك الجماعات جمع التمويل بطرق تتجاوز الأنظمة المالية التقليدية. وقد أصبح استخدام هذه الأصول شائعًا بشكل متزايد بين الجماعات المسلحة حول العالم بسبب قدرتها على توفير مستوى من السرية وصعوبة التتبع. تتجه الأنظار نحو كيفية حصول حزب الله وقوة القدس الإيرانية على هذه الأصول، وكيفية استخدامها لدعم أنشطتهما. تشير التقارير إلى أن الجماعتين قد استغلتا الفضاء الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج للأعمال الخيرية، والتي يمكن أن تُستخدم كواجهة لجمع الأموال. كما أن هناك أدلة على أن تلك الجماعات قد شاركت في مجموعة متنوعة من الأنشطة التجارية عبر الإنترنت لتمويل عملياتها العسكرية. لم تكن هذه الخطوة مفاجئة للكثيرين، فإسرائيل تعمل منذ سنوات على كشف وتعطيل الشبكات المالية التي تغذي "محور المقاومة" كما تُسمى تلك الدول والجماعات التي تشكل جبهة ضد النفوذ الغربي في المنطقة. التحركات الأخيرة تعكس التصميم الإسرائيلي على مواجهة ما يعتبره تهديدًا وجوديًا. وقد صرح متحدث رسمي باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن الحكومة "لن تتردد في اتخاذ إجراءات قوية ضد أي جهة تسعى إلى تمويل الإرهاب باستخدام التقنيات الحديثة". إن التحديات التي تطرحها الأصول المشفرة تجعل من الصعب على الدول تتبع وتحقيق العدالة بشأن المعاملات المشبوهة المرتبطة بالجماعات الإرهابية. في سياق متصل، تكشف التقارير عن أن حزب الله وقوة القدس، على الرغم من العقوبات المفروضة عليهما، تمكنتا من خلق قنوات تمويل جديدة. يظهر ذلك جليًا من خلال الاستثمارات في العملات الرقمية والمتاجرة فيها. تُظهر بيانات حديثة أن الأصول المشفرة التي تم الاستيلاء عليها تندرج ضمن معاملات تمت على مدى عدة أشهر، وتُظهر شبكة معقدة من المؤسسات والشركات التي تعمل كوسيط لنقل الأموال. بينما تواصل إسرائيل عملياتها، يُظهر تحليل الخبراء أن هذه الجماعات قد تتجه نحو استخدام وسائل بديلة لتعويض الخسائر الناتجة عن هذه المصادرة. يتزامن ذلك مع تصاعد التوترات في المنطقة. فقد زادت الأنشطة العسكرية الإيرانية، بما في ذلك الدعم لحلفاء طهران، مثل حزب الله في لبنان والميليشيات في العراق وسوريا. مما يجعل من الضروري على إسرائيل حماية نفسها من أي تصعيد قد ينتج عن هذه الأنشطة. الباحثون في الشأن الإيراني يرون أن هناك علاقة وطيدة بين الاقتصاد الرقمي والقدرة على تمويل الأعمال العسكرية. ففي الوقت الذي يخضع فيه الاقتصاد الإيراني لعقوبات خانقة، يبدو أن استخدام الأصول المشفرة قد منح إيران وحلفاءها آليات جديدة للتهرب من تلك الضغوط. تعتبر الأصول المشفرة أيضًا سلاحًا ذو حدين، حيث تتيح لجماعات مثل قوة القدس وحزب الله الوصول إلى مصادر التمويل، ولكنها في الوقت نفسه تقدم للدول الأخرى، مثل إسرائيل، الوسائل لإيقاف تلك الأنشطة. إن سباق التسلح الرقمي لن يقتصر فقط على الدول العظمى، بل سيصبح جزءًا من الصراع المتواصل بين الدول والجماعات المسلحة. على الجانب الآخر، تنبهت بعض الدول الغربية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد استخدام الأصول المشفرة في تمويل الإرهاب. فقد بادرت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بتبني تشريعات جديدة تهدف إلى زيادة الرقابة على منصات تبادل العملات الرقمية. في الوقت نفسه تسعى دول أخرى لوضع استراتيجيات مماثلة لضمان عدم تسرب الأموال إلى جماعات متطرفة. على الرغم من كل هذه التطورات، يبقى التساؤل حول فعالية هذه الخطوات في تحقيق الأهداف المرجوة. إذا كانت الأصول المشفرة تعطي حافزاً للجماعات الإرهابية للاستمرار في أنشطتها، هل تستطيع الحكومات آنذاك تطويقها والسيطرة عليها؟ في النهاية، تبقى المسألة معقدة، وما إذا كانت المصادرات الإسرائيلية ستؤدي إلى تأثير اقتصادي طويل الأمد على قوة القدس وحزب الله يبقى بحاجة إلى مراقبة. على المدى البعيد، قد تتجه تلك الجماعات نحو تكيف استراتيجي في مجالات أخرى من التمويل، مما يستدعي من المجتمع الدولي الحفاظ على يقظة دائمة لمراقبة ارتفاع أي تهديدات جديدة. تؤكد هذه الأحداث أهمية التعاون الدولي في مواجهة التهديدات العابرة للحدود. إن مجابهة الجماعات المتطرفة لن تكون ممكنة إلا من خلال تبادل المعلومات والموارد، وإيجاد حلول فعالة تستطيع احتواء استخدام التكنولوجيا في الغايات الشريرة. يشكل التحليق في فضاء الأصول الرقمية تحديًا كبيرًا، وقد بات من الضروري التحرك بخطوات مدروسة لمواجهته.。
الخطوة التالية