في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، حيث تمتزج العراقة بالحداثة، تنمو عالمٌ جديدٌ وغير تقليدي من الاستثمار والابتكار. تزداد الأضواء على ظاهرة "الدونز" في عالم العملات الرقمية، الذين يبدون وكأنهم يحكمون إمبراطورية مالية خاصة بهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها لبنان. هذه الظاهرة، والتي لا ترتبط فقط بجوانب مالية بل تمتد لتشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية، تمثل تغييراً جذرياً في كيفية تفكير اللبنانيين حيال المال والعملات. على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، حيث فقدت العملة المحلية 90% من قيمتها وتفشي البطالة والفقر، إلا أن العملات الرقمية وجدت طريقها لتصبح بديلاً جذاباً للكثير من الشباب اللبناني. هؤلاء الشباب، الذين يواجهون تحديات هائلة، ينظرون إلى العملات الرقمية كفرصة للخروج من قبضة الأزمة ولتأمين مستقبلهم المالي. هنا تظهر شخصيات "الدونز" الذين يقودون هذه الثورة الرقمية، حيث يمتلكون المعرفة والخبرة في هذا المجال. يعتبر محمد، أحد الشباب اللبنانيين الذين انخرطوا في عالم الكريبتو، مثالاً على هؤلاء "الدونز". بدأ رحلته في عالم العملات الرقمية قبل ثلاث سنوات، بعد أن شهد انهيار سعر الليرة اللبنانية. محمد عُرف بأنه يملك رؤية ثاقبة في الاستثمار في العملات الجديدة، ويعمل على تعليم الآخرين كيفية استخدام هذه المنصات بأمان. بجانب ذلك، يشارك في مجموعات على الإنترنت تساعد الآخرين في فهم المخاطر والمكافآت المحتملة للاستثمار في العملات الرقمية. لكن الأعمال ليست مجرد استثمار فقط؛ فهناك جوانب اجتماعية متعددة تتعلق بشخصيات مثل محمد. فقد أصبحوا مراكز مجتمعية، حيث يجتمعون لتبادل المعرفة وتجربة النجاح والفشل. يأتي الشباب من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية لتعلم استراتيجيات التداول، وفتح النقاش حول كيفية استخدام العملات الرقمية كوسيلة للتمويل الشخصي والتجاري. ومع تزايد الاهتمام بالعملات الرقمية في لبنان، ازدادت أيضاً المخاطر المرتبطة بها. بسبب عدم توفر إطار تنظيمي واضح لهذا المجال، يجد المستثمرون أنفسهم في مواجهة عمليات احتيال واختراقات قد تؤدي إلى فقدان مدخراتهم. هنا تظهر أهمية تلك الشخصيات التي تُعرف باسم "الدونز"، حيث يسعون لخلق بيئة أكثر أمانًا وموثوقية للمستثمرين الجدد، ملتزمين بتقديم المعلومات الصحيحة والمساعدة في توجيه الآخرين. تسهم العملات الرقمية، مثل البيتكوين والإيثيريوم، في تغيير مشهد الأعمال في لبنان. تُستخدم هذه العملات بشكل متزايد كمصادر بديلة للتمويل، حيث ينجح العديد من الشركات الناشئة في الحصول على التمويل من خلال طرح عروض عملات جديدة (ICO) بدلاً من التوجه إلى القنوات التقليدية التي أصبحت شحيحة في ظل الظروف الحالية. تقدم هذه الظاهرة فرصة لجيل جديد من رواد الأعمال، الذين يستخدمون التكنولوجيا لخلق حلول مبتكرة للتحديات الاقتصادية. ورغم كل هذه الإيجابيات، لا تزال هناك حاجة ملحة للتوعية حول المخاطر المرتبطة بالاستثمار في العملات الرقمية. الخطوة الأولى تكمن في التثقيف، والتي يقوم بها "الدونز"، كالأخوين سامر ونادين الذين أطلقوا ورش عمل تعليمية في المدارس والجامعات. يهدف هذا النوع من النشاطات إلى زيادة وعي الشباب حول كيفية حماية أموالهم واختيار الاستثمارات المناسبة. وبالإضافة إلى ذلك، تُعد التجارة الإلكترونية من المجالات التي تتأثر بشكل إيجابي بظهور العملات الرقمية. يسعى العديد من التجار إلى قبول هذه العملات كوسيلة للدفع، مما يتيح لهم الوصول إلى مصادر جديدة من العملاء ويوفر لهم مزيدًا من الأمان من تقلبات العملة المحلية. وقد بدأت هذه الظاهرة تنتشر، حيث يتجه المزيد من المتاجر نحو قبول العملات الرقمية، مما يعكس التوجه الحديث نحو الابتكار واحتضان التكنولوجيا. من جهة أخرى، يجب أن نؤكد على التحديات الكبيرة التي تواجه هذا القطاع في لبنان. فمع تصاعد القلق بشأن تنظيم نشاطات الكريبتو، يخشى البعض من أن الحكومات قد تتدخل بشكل قد يُعيق هذا النمو. هناك من يطالب بحماية أفضل للمستثمرين، إلا أنهم في الوقت ذاته يرغبون في الحفاظ على روح الابتكار التي تميز القطاع. في الختام، تُظهر ظاهرة "الدونز" في بيروت كيف يمكن لأزمة اقتصادية حادة أن تخلق فرصًا جديدة وفريدة من نوعها. بعزيمتهم وشغفهم، يسعى هؤلاء الشباب إلى بناء مجتمع من المتعلمين والمستثمرين القادرين على مواجهة التحديات الاقتصادية. وبغض النظر عن الصعوبات، يظل الأمل مستمرًا، ويبدو أن لبنان، بصورة أو بأخرى، قادرٌ على الابتكار والنمو حتى في الأوقات العصيبة.。
الخطوة التالية