في السنوات الأخيرة، شهدنا تطوراً ملحوظاً في كيفية تمويل الأنشطة الإرهابية، حيث أصبح الاعتماد على العملات الرقمية أحد الأساليب الأكثر شيوعاً. تشير التقارير إلى أن الإرهابيين نجحوا في جمع نحو 130 مليون دولار من العملات الرقمية منذ عام 2021، وذلك باستخدام منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة لجمع المزيد من الأموال بعد تنفيذ الهجمات. في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف بشأن الغالبية العظمى من الأدلة التي توحي بتغيير نماذج التمويل للإرهابيين، يجد المراقبون أنفسهم مضطرين لفهم هذه الظاهرة الجديدة بشكل أعمق. فما هي الآليات التي اتبعها هؤلاء في جمع الأموال؟ وما هو دور العملات الرقمية في ذلك؟ توفر العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثيريوم مستوى عالٍ من السرية، ما يجعلها جذابة بالنسبة للكيانات غير القانونية. الشركات المالية التقليدية والبنوك غالباً ما تكون مُلزمة بتطبيق معايير معرفتها للعملاء، ولكن، على الجانب الآخر، تتمتع العملات الرقمية بمستوى منخفض من الانضباط الذي يمكن أن يستغله الإرهابيون لجمع الأموال. هذه السرية تجذب أيضًا مؤيديهم، الذين يراهنون على أن صفقات العملة الرقمية لن تُكتشف بسهولة. علاوة على ذلك، فإن استخدام منصات التواصل الاجتماعي قد زاد من قدرة الإرهابيين على جذب الممولين المحتملين. قام العديد منهم بإنشاء حسابات على منصات مثل تويتر وفيسبوك وتيليجرام، حيث يمكنهم تحفيز مؤيديهم على التبرع بعملات رقمية بعد الهجمات. من خلال توظيف أساليب دعائية ونداءات عاطفية، استطاع الإرهابيون جعل النشاطات المالية أكثر سهولة وأقل عرضة للرقابة. بعد الهجمات، يتوجه هؤلاء الإرهابيون إلى صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينشرون مقاطع فيديو وصور تدعو الناس للانضمام إلى قضيتهم ودعمهم مالياً. هذه الحملة الإعلامية تتضمن بشكل متزايد الذكاء الطفولي، حيث يستخدمون الفكاهة والإثارة لجذب الانتباه وجعل التمويل يبدو كأنه واجب وطني أو ديني. لكن لا يمكن إغفال الآثار السلبية لهذا التوجه. فزيادة التمويل من خلال العملات الرقمية لا تهدد فقط الأمن القومي للدول، بل تخلق أيضًا تحديات جديدة للجهات الحكومية والهيئات المعنية بتعقب الأموال. مع تزايد استخدام العملات الرقمية، يُصبح من الصعب تحديد مصدر الأموال ومراقبتها مما يعيق جهود الأمن في مكافحة الإرهاب. في هذا السياق، كانت هناك محاولات متزايدة من جانب الحكومات للتصدي لهذه الظاهرة. ومع ذلك، لا تزال التكنولوجيا والابتكار المتسارع في عالم العملات الرقمية يمثلان تحدياً حقيقياً. تتجه بعض السلطات إلى إدخال قوانين جديدة من أجل تقليل استخدام هذه العملات في العمليات غير القانونية. كما يتم تطوير تقنيات تحليلات متقدمة لمساعدتها في تتبع التحويلات وتحليل الشبكات المالية التي تدعم الأنشطة الإرهابية. تعتبر هذه الجهود خطوة مهمة، لكنها ليست كافية لوحدها. يحتاج صناع القرار إلى توحيد الجهود مع شركات التكنولوجيا والجهات الفاعلة في السوق لتطوير حلول تكنولوجية فعالة تساعد في إيقاف تدفق الأموال إلى التنظيمات الإرهابية. يتطلب الأمر التعاون على مستوى دولي، مع تبادل المعلومات والخبرات بين الحكومات المختلفة. وفي نهاية المطاف، لا بد من تسليط الضوء على أهمية التوعية والخطاب الاجتماعي. فالعنف والتطرف يزدهران في بيئات يفتقر فيها الأفراد إلى الفرص الاقتصادية والتعليميّة. لذلك، تعتبر برامج التوعية المجتمعية والتنمية الاقتصادية ضرورية من أجل تقليص الآثار السلبية للتخطيط والتنفيذ والعمل في المجال الإرهابي. إن الاستخدام المتزايد للعملات الرقمية وكيفية استغلالها من قبل الإرهابيين يثير الكثير من القلق والتحديات، لكنه في الوقت نفسه يجب أن يكون دافعاً لتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة هذه التهديدات. إنه عصر جديد من الحرب، حيث تتطلب المواجهة محاور تتجاوز الحدود التقليدية، وتحتاج إلى تلاحم وتعاون من الجميع لمواجهة هذا العدو الذي يتشكل في ظل الفوضى الرقمية. في الختام، يعد تجديد الجهود لمواجهة التمويل الإرهابي والتحول الرقمي من الأولويات الملحة في عصرنا الحالي. وبدون استراتيجيات شاملة تضمن الأمن والسلام للجميع، سيبقى الإرهاب يشكل تهديداً مستمراً لنمو وتطور المجتمعات.。
الخطوة التالية