في عالم يتسم بالتغيير السريع والتطور التكنولوجي، باتت الذكاء الاصطناعي أحد أهم المواضيع التي تشغل بال الكثيرين. نتحدث هنا عن سباق محموم بين الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين، للسيطرة على مستقبل التقنية الذكية. يُعرف هذا السباق بسباق تسليح الذكاء الاصطناعي، حيث يسعى كل طرف لتطوير أساليب جديدة واستخدامها لأغراض علمية واقتصادية وعسكرية. على الرغم من الجدل الدائر حول الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك إجماعًا على أنه سيكون من أكثر التقنيات تأثيرًا في القرن الحادي والعشرين. تتباين الآراء حول مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على القوى العاملة البشرية؛ فبينما يرى البعض أنه قد يحل محل البشر في العديد من المهام، يعتقد آخرون أنه سيعزز قدرة الإنسان على حل مشكلات معقدة. يتضح أن السيطرة على مستقبل الذكاء الاصطناعي ستمنح الدولة المتصدرة في هذا المجال قوة اقتصادية وعسكرية غير مسبوقة. بدأت الولايات المتحدة الأسد في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، مثل النماذج اللغوية الكبيرة، التي أسفرت عن breakthroughs مذهلة في إنتاج روبوتات محادثة وصور. وهذا يعتبر نقطة قوة كبيرة لأمريكا، التي تعتمد على نماذج تمويل رأسمالية تشجع الابتكار من خلال دعم فرق متعددة من المبتكرين. وهذه العملية تؤدي إلى استقطاب قادة الفكر في مجال الذكاء الاصطناعي حول العالم، مما يمنح الولايات المتحدة ميزة تنافسية. أحد الأبعاد المهمة في هذه المنافسة هو السيطرة على الموارد الأساسية التي تمكن من تطوير هذه التقنيات. يؤكد الخبراء أن الولايات المتحدة لديها مثال يحتذى به في هذا الأمر من خلال شركة إنفيديا، المتخصصة في إنتاج الشرائح الإلكترونية المتقدمة اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. ولتعزيز ميزتها التنافسية، اتخذت الحكومات الأمريكية سلسلة من إجراءات تحديد الصادرات لضمان تأخر التقنيات الأساسية المصدرة إلى الصين. على النقيض، تعتمد الصين استراتيجية مدعومة من الدولة، حيث تروج الحكومة للتعاون بين القطاعين العام والخاص. تهدف خطة تطوير الذكاء الاصطناعي التي أُطلقت عام 2017 إلى أن تصبح الصين رائدة عالمية في هذا المجال بحلول عام 2030. وتدفع الحكومة باتجاه استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل المراقبة وتعزيز الأمن الداخلي. بفضل التركيز على الاستثمار والتطوير، تتصدر الصين المشهد في العديد من المفاتيح. على سبيل المثال، يتمثل أكثر من 40% من المنشورات البحثية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في الصين، مما يبرز القوة البحثية المقدرة في مجال الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، أجرت الصين حوالي 60% من براءات الاختراع العالمية ذات العلاقة بأبحاث الذكاء الاصطناعي في عام 2022. وفي سياق متصل، قدمت الصين العديد من النماذج اللغوية الكبيرة الخاصة بها، والتي تم استخدامها بالفعل من قبل العديد من الشركات الكبرى مثل بايت دانس وعلي بابا. على الرغم من وجود قيود على حرية المعلومات واستخدام البيانات، يبدو أن الشركات الصينية تتجه نحو بناء تطبيقات عملية للذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات. تكمن التحديات في هذا السياق في أن الحكومة الصينية تتبنى نهجًا صارمًا لنماذج التخزين والمعالجة، مما يمثل عائقًا أمام التقدم في بعض المجالات مثل نماذج الإنتاج الذاتي. لكن بالتوازي مع ذلك، تستثمر الصين بشكل كبير في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يدل على رغبتها في التميز. وبغض النظر عن الاختلافات، فإن العامل الحاسم في هذا السباق هو القدرة على جلب أفضل المواهب العالمية. حيث تستقطب الولايات المتحدة نسبة تصل إلى 42% من أفضل الباحثين في الذكاء الاصطناعي، وقد يكون هذا نتيجة لنظامها التعليمي المتقدم والمحظيات التي توفّرها للموهوبين. على الجانب الآخر، تسعى الصين لجذب خبراء كبيرين من الخارج، مما يجعل المعركة أكثر تعقيدًا. وإذا نظرنا إلى المستقبل، يبدو أنه من الصعب تحديد الفائز في هذا السباق. الحقيقة أن كلا الجانبين يمكن أن يأتي بفوائد كبيرة، لكن التحديات قائمة. يتطلب الحفاظ على التوازن في هذا المجال التعاون بين القوى الكبرى، بدلاً من اعتماد سياسات تنافسية قد تؤدي إلى توترات أو صراعات غير ضرورية. في الختام، يمكننا القول إن سباق الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى تخطيطٍ استراتيجي وتعاونٍ حجمٍ عابر للحدود لضمان تحقيق الفوائد القصوى. بدلاً من رؤيته كمباراة صفريّة، ينبغي أن نعتبره فرصة للعمل المشترك. قد تكون الخيارات مفتوحة أمام قوى مختلفة في العالم لتحقيق تقدم ملموس، ولكن هذا يعتمد بشكل كبير على كيفية تصرفهم مع التحديات المستقبلية للذكاء الاصطناعي.。
الخطوة التالية