في عام 2021، تواجه زامبيا أزمة اقتصادية خانقة نتيجة لاستنزاف ميزانيتها على سداد الديون، حيث استحوذت الديون على 39% من الميزانية الوطنية، مما جعل الحكومة تزعم أن نسبة الإنفاق على التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي كانت أقل من تكاليف سداد الديون. وقد أدى هذا الوضع الصعب إلى اتخاذ الحكومة الزامبية خطوات للتفاوض مع مجموعة العشرين ضمن إطار العمل المشترك لإعادة هيكلة الديون. ورغم مرور ثلاث سنوات، لا تزال إعادة هيكلة ديون زامبيا في حالة من الجمود، مما يعرقل التنمية الاقتصادية ويؤثر سلباً على خدمات القطاع العام. لا شك أن هنالك مخاوف كبيرة بشأن عواقب هذا التعثر في معالجة الدين العام في زامبيا، حيث حذر الرئيس الزامبي، هاكايندي هيشيليما، من أن الأزمة الاقتصادية تعد تهديدًا للديمقراطية الزامبية، مما يستدعي ضرورة البحث عن حلول عاجلة. في أكتوبر 2023، كان هناك بصيص من الأمل عندما توصلت الحكومة الزامبية إلى اتفاق مع دائنيها الحكوميين لإعادة هيكلة الديون، لكن العقبة الكبيرة تكمن في عدم التوصل إلى اتفاق مماثل مع الدائنين الخاصين. المأساة في زامبيا ليست فريدة من نوعها، إذ تواجه العديد من الدول ذات الدخل المنخفض الذين يعيش أكثر من نصف سكان المعمورة في أماكن تعاني من ضغوط ديون خانقة. ومن هنا، يرى الخبراء أن لدى المملكة المتحدة الفرصة لتتبوأ موقع القيادة في السعي نحو حلول شاملة قد تمنع تفاقم الأزمات المالية كما هو الحال في زامبيا. تعد المملكة المتحدة مركزاً مهماً في النظام المالي العالمي، حيث إن جزءًا كبيرًا من الديون السيادية للدول ذات الدخل المنخفض تُدار بموجب القانون الإنجليزي. لذا، فإن للحكومة البريطانية القدرة على اتخاذ خطوات فعالة للمساعدة في إعادة هيكلة الديون وتفادي الأزمات المستقبلية. في السنوات الأخيرة، وجدنا أن قانون التنمية الدولية في المملكة المتحدة، على الرغم من كونه خطوة إيجابية، إلا أنه لم تُعطَ فرص كافية لبحث الأساليب التشريعية التي يمكن أن تلزم الدائنين الخاصين بتقديم تخفيضات في الديون تتناسب مع التخفيضات المقدمة من قبل الدائنين الرسميين. لذلك، يمكن أن يفتح العام الجديد 2024 أفقاً جديدًا للتفكير العميق في كيفية تدخل المملكة المتحدة لخلق إطار قانوني ينظم كيفية تعامل الدائنين مع الدول المدينة، خاصة تلك التي تعاني من أزمات اقتصادية. تاريخياً، أظهرت المملكة المتحدة إمكانية ذلك، حيث تم تقديم تشريع مماثل في عام 2010، وكان له تأثير كبير في حماية الدول النامية. كان هذا التشريع بمثابة ضمان للدول المدينة بعدم التعرض للملاحقة القانونية من قبل الدائنين الخاصين من أجل دفع مبالغ زائدة عن تلك المشار إليها في مبادرة الدول الأكثر فقراً المثقلة بالديون. لذا، فإن هنالك فرصة حقيقية الآن للتركيز على تقديم تشريع يجبر الدائنين الخاصين على المشاركة في جهود تخفيف الديون على نحو يتناسب مع المعاملة الممنوحة للدائنين الرسميين. في سياق زامبيا، كانت تطورات الأحداث الموضوعية ضرورية لفهم أبعاد الأزمة. يعتبر قطاع التعليم والصحة من أبرز القطاعات المتضررة من الأزمة التي أثرت سلباً على مجموعات ضعيفة، خاصة الأطفال. حيث تم التقليل من البرامج الصحية والاجتماعية الضرورية لأغراض التنمية والنمو. وقد تضاعفت هذه التحديات بالتزامن مع تفشي جائحة كوفيد-19، حيث عانت زامبيا من نقص في الإيرادات وازدياد الطلب على الخدمات الصحية والاجتماعية. شكلت مبادرة الإطار المشترك، التي أطلقها مجموعة العشرين ونادي باريس، محاولة لدعم الدول النامية في معالجة ديونها. ولكنه، كما يتضح من الحالة الزامبية، هناك تحديات كبيرة تتطلب معالجة شمولية. هنالك حاجة إلى تشريعات محددة تجعل من الممكن ضمان عدالة المعاملة بين الدائنين الخاصين والحكوميين. إذا استطاعت المملكة المتحدة التقدم بخطوات جادة، بإدخال تشريعات واضحة وقالبة تضمن تيسير إعادة هيكلة الديون، فإنها ستتيح للدول ذات الدخل المنخفض مثل زامبيا الفرصة للتركيز على التعافي والنمو، بدلاً من الانشغال بآثار الديون وتحمل الأعباء الثقيلة من دفع الفوائد. إن تصميم إطار قانوني يمكن أن يوفر للنظام المالي الدولي أداة فعالة لضمان توازن المصالح بين الدائنين والمدينين. إضافة إلى ذلك، تمثل الفترة الحالية فترة تحول كبيرة، إذ هناك حركات في الولايات المتحدة تبحث عن إدخال تشريعات مماثلة، مما يعكس حاجة دولية ملحة لضبط القطاع المالي وضمان حقوق الدول. وجود التوافق على مستوى التشريع والتعاون الدولي بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة يُعتبر خطوة جريئة نحو التغيير. من خلال تقديم هذه الدعوات للتغيير، ستتمكن المملكة المتحدة من تجديد دورها الرائد على الساحة العالمية، والمساعدة في خلق بيئة أكثر استدامة تصب في خانة تحقيق التنمية المستدامة لدول مثل زامبيا وغيرها من الدول النامية. وهذا لن يعود بالصالح العام على تلك الدول فقط، بل سيقدم أيضًا فوائد للمجتمع الدولي بأسره، إذ سيساعد في تعزيز الاستقرار العالمي. إن الفرصة سانحة بالفعل، ويجب على المملكة المتحدة أن تستغل هذا الزخم للقدوم بمبادرات جديدة في العام الجديد. إن المشاكل المعقدة التي تواجهها الدول ذات الدخل المنخفض مثل زامبيا بحاجة إلى حلول مبتكرة وقيادات قوية لتوجيه البوصلة نحو مستقبل أفضل يشمل جميع الأطراف المعنية. وعلى المملكة المتحدة أن تستأنف دورها الثابت كقوة من أجل الخير وأن تتبنى رؤية تضع حقوق الدول النامية وأمنها الاقتصادي على رأس أولوياتها.。
الخطوة التالية