في زمن العزلة الاجتماعية وفوضى المعلومات، كان يُنتَظر من الحكومات التعامل بحذر مع المحتوى المتداول على منصات التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، يبدو أن إدارة هاريس-بايدن تجسد مثالًا واضحًا على محاولات الرقابة على المحتوى الفكاهي المتعلق بفيروس كورونا. ومع كشف مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، عن تلك الضغوطات، يتجلى لنا أن الوضع أكثر كوميدية مما يبدو. في خطاب مثير للجدل أرسله زوكربيرغ إلى رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، كشف عن أن الإدارة الأمريكية قد ضغطت على فيسبوك من أجل حذف بعض المحتويات المتعلقة بكوفيد-19، بما في ذلك السخرية والنكات. قد يبدو الأمر غريبًا، لكن بمجرد قراءة التفاصيل، نجد أن الأمور لا يمكن أن تكون أكثر تناقضًا. لم يكن هذا الضغط مجرد محاولة للحد من "المعلومات المضللة"، كما يدعي البعض. بل كان هناك خوف حقيقي من الأفكار والمحتويات الفكاهية التي قد تتحدى السرد الرسمي للإدارة. في عالم يتسم بالكآبة والقلق، كان هناك من يحاول إبعاد البسمة عن وجوه الناس من خلال إسكات النكات الساخرة. تعكس هذه المحاولة من الحكومة لممارسة الرقابة على المحتوى الفكاهي نظرية أوسع تتعلق بالحرية التعبيرية في المجتمعات الحديثة. فالسخرية والفكاهة هما أدوات قوية للغاية، تستخدم في كثير من الأحيان لإبراز العيوب والتناقضات في قرارات الحكومات. وبالتأكيد، لا يمكن لحكومة تحاول إغراق جمهورها بالمعلومات الجادة فقط أن تتقبل وجود محتوى يثير الضحك والتساؤل حول سياساتها. عندما نلقي نظرة على بعض من المحتويات المضحكة التي أُزيلت، مثل الميم الشهير الذي يظهر ليوناردو دي كابريو من فيلم "ذات مرة في هوليوود"، يصبح من الواضح أن حجم الخوف الذي يشعر به المسؤولون أكبر من الموقف الفعلي. فالميم كان يُشير بشكل ساخر إلى قانونية مسؤولي الحكومة في محاسبة شركات الأدوية التي تنتج لقاحات كوفيد-19، مما جعل المستشارين الحكوميين يشعرون بالتهديد. ولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن الحكومة التي تمثل الديمقراطية والحرية تُظهر، من خلال هذه الإجراءات، نمطًا من الأنظمة القمعية التي تسعى لإسكات الأصوات المعارضة. إن الحرمان من الحق في السخرية والفكاهة يشير إلى وجود ثقافة الخوف والقمع. ففي الوقت الذي تُعتَبَر فيه السخرية نوعًا من العلاجات النفسية للمجتمع المحبط، تعمل الحكومة على تضييق مساحة الحوار والمناقشة. إن الضغوط التي مارسها مستشارو بايدن تعكس مدى خوف الحكومة من الآراء والأساليب التي تستخدمها الناس للتعبير عن أنفسهم. كما أنها تشير إلى الأزمة الحقيقية في التي يعيشها المواطنون، الذين يواجهون قيودًا متزايدة على حرية التعبير. في السنوات الأخيرة، نحن نشهد بروز حركة متزايدة من الفنانين والكوميديين الذين يعبرون عن استيائهم من القضايا الاجتماعية والسياسية من خلال السخرية. والسخرية كانت دائمًا سيدة الموقف عندما يتعلق الأمر بالتحليل الاجتماعي والنقد. ففي الوقت الذي تحاول فيه حكومات معينة حظر الهزل والفكاهة، تزداد فرص وجود أصوات جديدة تبرز من بين الجموع. حتى الشخصيات الكوميدية الشهيرة، مثل جون ستيوارت، تعرضت للانتقاد بسبب آرائها حول نشأة الفيروس، مما يبرز أهمية تلقي الأفكار المختلفة والمناقشة العقلانية بدلاً من صمت النقاد. الانتقادات للتحكم في الفكاهة تفتح المجال لنقاش أوسع حول دور الكوميديا في تشكيل الرأي العام. وكذلك، فإن المقالات الساخرة والمحتويات الكوميدية تُسهم في توعية الجمهور حول القضايا الاجتماعية والسياسية. إذ تسلط الضوء على الفجوات في المعلومات وتساعد على فهم الأحداث بطريقة مُبسطة. فالحكومات لا تستطيع دائمًا السيطرة على السرد، وهي محاولاتها المستمرة للرقابة دليل على أن بعضها بدأ يدرك هذه الحقيقة. من جانب آخر، أن السخرية ليست مجرد وسائل ترفيه، بل هي أيضًا أداة لتحفيز التفكير النقدي. لذا عندما تطلب الإدارة من فيسبوك حذف محتوى معين بحجة أنه يضر بالصورة العامة، فإن ذلك يمثل خوفًا من الحقيقة وعدم القدرة على مواجهة النقد. فإذا كانت الحكومة قد استخدمت القوانين والسياسات للحد من التعبير عن الفكرة، فإن المجتمع يتجاوز تلك القيود بالدعابة والطرافة. وأن الفكاهة تفقد قدرتها على إحداث التأثير إذا ما قُيدت بالرقابة. لذا، نجد أنه مع كل هذه المحاولات، يبقى هناك حاجة ملحة إلى التحلي بالجرأة في التعبير عن الرأي. في النهاية، الفكرة التي يتطلبها التحول نحو حرية التعبير تبدأ بالاقتناع بأنه لا يوجد موضوع مُحيط بالمقدس، بل كل شيء قابل للمناقشة سواء كان جديًا أو ساخرًا. فقد أصبح وجود السخرية والفكاهة اليوم ضرورة ملحة للمجتمعات، في وقت تعاني فيه الإنسانية من مشكلات متعددة. لذا، في الوقت الذي يسعى فيه البعض لإسكات الضحكات، يتعين عليهم أن يتذكروا أن الضحك وحده يمكن أن يخترق حواجز الخوف. وفي النهاية، بينما تسعى الإدارة الحالية للتحكم في السرد، يبقى الكوميديون والمحتوى الفكاهي في اختراق مساحات جديدة تجعل من الحقائق أكثر وضوحًا وتؤدي إلى نقاشات ضرورية للمجتمع.。
الخطوة التالية