ادعى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مؤخرًا أن "100%" من الوظائف الجديدة التي تم إنشاؤها خلال إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس ذهبت إلى "مهاجرين غير شرعيين". هذه التصريحات ليست جديدة، إذ تكررت خلال فعاليات مختلفة وفي العديد من المناسبات. ومع ذلك، تكشف البيانات الحقيقة الكامنة وراء هذه الادعاءات، مما يجعل من الضروري إجراء تحقيق دقيق في هذا الموضوع. خلال خطاب ألقاه في نادي الاقتصاد في نيويورك، أكد ترامب مرة أخرى على ما وصفه بـ "الكارثة الاقتصادية" التي يواجهها البلد، مستندًا إلى بيانات مشوشة تدعم زعمه بأن جميع الوظائف الجديدة التي أسستها الإدارة الحالية قد بتناجت بفضل المهاجرين غير الشرعيين. ولكن، الواقع مختلف تمامًا، حيث أظهرت البيانات أن إدارة بايدن قد شهدت نمواً ملحوظاً في عدد العاملين من المولودين في الولايات المتحدة. تتفاوت الإحصاءات بشكل كبير، حيث أشارت البيانات إلى أن عدد العمال المولودين في الولايات المتحدة قد ارتفع بنحو 6% خلال فترة بايدن، بينما زاد عدد العمال الأجانب بنسبة 22%. هذا يشير بوضوح إلى أن النمو في سوق العمل لم يكن موجهًا فقط نحو الأجانب، بل أيضًا نحو المواطنين الأمريكيين. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب قد شهدت انخفاضًا في عدد العمال الأجانب، إلا أن عدد العمال الأمريكيين شهد أيضًا تراجعًا خلال تلك الفترة. من المهم التنويه أيضًا إلى أن وزارة العمل قد صنفت العمال الأجانب في فئة واحدة تشمل الأجانب القانونيين، المواطنين الطبيعيين، العمال غير الشرعيين، اللاجئين والعمال المؤقتين. وبالتالي، لا يمكن معرفة عدد هؤلاء العمال الذين يعتبرون غير شرعيين بوضوح. هذا يشير إلى أن زيادة عدد العمال الأجانب لا تعكس بالضرورة زيادة في عدد المهاجرين غير الشرعيين. بناءً على بيانات عدد الموظفين في الولايات المتحدة، فقد كان هناك زيادة إجمالية في عدد الوظائف في البلاد. ففي فبراير 2020، كان عدد الموظفين غير الزراعيين في الولايات المتحدة حوالي 15.2 مليون، بينما ارتفع هذا العدد ليصل إلى حوالي 15.8 مليون حالياً، مما يعكس زيادة بنسبة 4.4%. هذه الأرقام تظهر أن النمو الوظيفي تحت إدارة بايدن لا يرتبط بشكل حصري بالهجرة غير الشرعية، بل فعلاً يعكس الانتعاش في سوق العمل بعد جائحة كوفيد-19. على الرغم من أن ترامب وكثير من الجمهوريين قد استمروا في التشكيك في قدرة بايدن على التعامل مع قضايا العمل والاقتصاد، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يعتقدون أن هناك عوامل اقتصادية أوسع تؤثر على سوق العمل ولا تعزى فقط إلى السياسات الرئاسية. في هذا السياق، أشار أحد أساتذة الاقتصاد في جامعة كارنيجي ميلون إلى أن الظروف الاقتصادية التي مرت بها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك زيادة معدلات البطالة ونقص العمالة، كانت نتيجة لتوجهات عالمية وليست فقط نتيجة للسياسات المحلية. علاوة على ذلك، أظهرت الأرقام المتعلقة بمعدل البطالة تغييراً إيجابياً تحت إدارة بايدن، فقد انخفض معدل البطالة ليصل إلى 4.3% بعد أن كان قد ارتفع تحت إدارة ترامب. يجب أن نتذكر أن معدل البطالة في فبراير 2020 كان 3.5%، مما يدل على أن ظروف سوق العمل قد شهدت تغيرات ملحوظة. بينما أظهر بايدن ثقة في تحقيق انتعاش اقتصادي واضح، أظهرت استطلاعات الرأي أن العديد من الأمريكيين لا يزال لديهم وجهات نظر سلبية حول أداء بايدن الاقتصادي. إذ أظهر استطلاع للرأي أن 19% فقط من الأمريكيين يشعرون بأنهم أكثر تحسنًا مقارنةً بما كانوا عليه قبل استلام بايدن للرئاسة. بينما يشعر أكثر من 50% بأنهم في وضع أسوأ. هذه الإحصائيات تعكس قلق الناس بشأن الاقتصاد، على الرغم من الأرقام الرسمية التي تشير إلى تحسن. يشير المقارنات بين فترتي الرئاسة إلى أن أداء سوق الأسهم كان قوياً تحت كلا الإدارتين، لكن ترامب كان قد حصل على نتائج أفضل في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر الأرقام المتعلقة بالتضخم أن الظروف تغيرت بشكل كبير، حيث كانت تحت إدارة ترامب أقل مما كانت عليه في فترة بايدن. بالتالي، يتضح أن تصريحات ترامب حول الوظائف الجديدة والأثر الناتج عن الهجرة غير الشرعية تحتاج إلى تقييم دقيق وفهم أعمق. فالأرقام والإحصائيات تشير إلى أن إدعاءاته ليست مدعومة بالبيانات الفعلية وتحتاج إلى مزيد من المراجعة. إن عمل سوق العمل معقد ويعتمد على شتى العوامل الاقتصادية، ولا يمكن اختزاله ببساطة في إطار توجه سياسي واحد. في النهاية، يبقى وفقًا للبيانات أنه من الضروري أن يجد المواطنون والدعاة السياسة طريقة لكشف الحقائق حول القضايا الاقتصادية، بدلاً من الانجراف وراء الادعاءات التي لا تتماشى مع الإثباتات العلمية والبيانات المتاحة. من خلال الفهم الجيد للحقائق والإحصائيات، يمكن أن نبني حواراً أكثر إنتاجية حول كيفية تحسين الظروف في سوق العمل وإيجاد حلول مستدامة للجميع.。
الخطوة التالية