حجزت السلطات الأمريكية مؤخرًا منصات تشفير مرتبطة بمخطط لغسيل الأموال يعود لروسيا، حيث قامت بتوجيه اتهامات ضد اثنين من الروس في خطوة تعكس التحرّك الواضح ضد الجرائم المالية المرتبطة بالسايبر. في 26 سبتمبر 2024، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن إحباط عملتين ماليين غير قانونيتين زعمت أنهما تمارسان نشاطات غير مشروعة تتجاوز قيمتها 800 مليون دولار. يقف هذا التصرف في إطار جهود الدوله لتعزيز مساعيها للحد من الجرائم المالية المدعومة بتكنولوجيا المعلومات. إذ تمثل هذه التهم تحديًا كبيرًا للمنصات الرقمية، التي تمكّن الأفراد من إجراء معاملات مالية بطريقة غير رسمية بعيدًا عن أعين المراقبة. طالت الاتهامات موقعين مرتبطين بثلاثة تبادل غير قانونيين للعملات المشفرة، حيث تمّ حجز أسماء المواقع للدومين لـ "UAPS" و"PM2BTC" و"Cryptex". هذا وتظهر رسالة واضحة على الرغم من صفحات هذه المواقع، تنص على أن الموقع قد تم حجزه بسبب الأنشطة غير القانونية التي تتعلق به. في التفاصيل، يواجه موقع "PM2BTC" اتهامات بتسهيل عمليات غسيل الأموال ذات الصلة بهجمات الفدية وغيرها من الأنشطة غير القانونية. تُظهر التقارير من شركة Chainalysis المتخصصة في تتبع معاملات العملات الرقمية أن PM2BTC تشارك في بنية محفظة مع الشبكة تحت الأرضية "UAPS"، والتي تعتبر نظام معالجة مدفوعات غير قانوني. أما موقع "Cryptex"، فقد تم الإبلاغ عنه لتسهيل معاملات بلغ مجموعها حوالي 1.4 مليار دولار، حيث يُعزى 31% من تلك المعاملات إلى الأنشطة الإجرامية. تم حجز الدومين الخاص بـ "Cryptex.net" و"Cryptex.one"، والذي يُطلق عليه "اسم مستعار" ما يمكن المستخدمين من التسجيل دون الحاجة للامتثال لمتطلبات تعرف العملاء (KYC). في هذا السياق، نشرت وزارة الخزانة الأمريكية تقديرًا لأهمية السلامة المالية واعتبرت أن جهودها المشتركة مع وكالات حكومية وأخرى دولية تسهم في معالجة المخاطر المُلّحة الناجمة عن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. تم تقديم الشكر لوحدة التحقيقات السيبرانية التابعة للخدمات السرية الأمريكية، بالإضافة إلى سلطات التحقيق المالي الهولندية لتحركاتهم في الحجز على الويب والبنية التحتية ذات الصلة بـ PM2BTC وCryptex والروسية سيرجي إيفانوف. لكن الأمور تتوضّح أكثر حين يُنظر إلى الأفراد الذين تم توجيه الاتهامات إليهم. فقد اتهمت وزارة العدل الأمريكية سيرجي إيفانوف المعروف باسم "Taleon"، والذي يُعتقد أنه يدير عدة خدمات لغسيل الأموال لصالح المجرمين. حيث أسّس إيفانوف ويدير خدمات الدفع والتبادل الروسية مثل UAPS وPinPays وPM2BTC، وقد قُدِّر أن هذه الخدمات قد عالجت ما يقارب 1.15 مليار دولار من معاملات الأصول الرقمية فيما يتصل بغسيل الأموال بين يوليو 2013 وأغسطس 2024. على الجانب الآخر، فقد تم توجيه التهم أيضًا إلى تيمور شاخمامتوف، وهو روسي آخر معروف بأنه يدير "Joker’s Stash"، والذي يُعتبر أحد أكبر المواقع الخالية من بيانات بطاقات الاعتماد المباعة. ويُعتقد أن شاخمامتوف قد أعلن عن هذا الموقع من خلال المنتديات الخاصة بالجريمة الإلكترونية، فضلاً عن تقديم بيانات بطاقات الائتمان المسروقة. وتظهر وثائق المحكمة المُفرج عنها من المحكمة الجزائية في منطقة الشرقية من فرجينيا أن إيفانوف يواجه تهمة واحدة بالتآمر للمساعدة في الاحتيال مصرفي. في حين يواجه شاخمامتوف عدة اتهامات تتضمن تهمًا بالتآمر لارتكاب احتيال عن طريق استخدام بطاقات الائتمان، وتهمًا للتآمر للمساعدة في الاحتيال المصرفي وتهمًا أخرى تتعلق بغسل الأموال. لهذا، وضعت الحكومة مكافأة تصل إلى 10 مليون دولار لمن يُقدّم معلومات تؤدي إلى اعتقال إيفانوف أو شاخمامتوف. إن هذه الخطوات من وزارة العدل تُعتبر جزءًا من جهود قوية لمكافحة الجرائم المالية المعززة بتكنولوجيا المعلومات، وتنقل رسالة واضحة لكل من يسعى لاستغلال تكنولوجيا التشفير لأغراض غير قانونية. إذ تمثل هذه التحركات تصعيدًا أساسيًا في الحرب على الشبكات الإجرامية التي تستخدم العملات الرقمية كوسيلة لتحقيق مكاسبها. استمر الجدل حول دور العملات الرقمية في تحويل النظام المالي العالمي، ففي ضوء الأحداث الأخيرة، يبرز السؤال عن كيفية السيطرة على هذه الأنشطة والحد من التأثيرات السلبية التي يمكن أن تطرأ على النظام المالي. في هذا السياق، يجب على حكومات العالم العمل معًا لتعزيز القوانين والأنظمة التي من شأنها إغلاق الثغرات التي يستغلها المجرمون. تجدر الإشارة أيضًا إلى أن هذه القضية ليست بمعزل عن تطورات العالم اليوم، فقد شهدت الساحة الدولية تناميًا لعمليات غسيل الأموال وتمويل أنشطة غير قانونية، مما يستدعي تضافر الجهود للحد من انتشار هذه الأنشطة. إن مرتكبي الجرائم المالية يجب أن يعرفوا أن هناك عواقب حقيقية للجرائم التي يقومون بها، وأن هناك أرصدة كبيرة من المعرضة للحجز إذا ما تم اكتشافهم. عليه، من المهم أن تسلط الأضواء على أهمية الامتثال للقوانين المالية، وأن يسعى الأفراد إلى فهم المخاطر المرتبطة بأنماط المعاملات عبر العملات الرقمية. فالأمان المالي ليس مجرد مسؤولية فردية، بل يجب أن تكون هناك استجابة شاملة من جميع مستويات المجتمع، من الأفراد إلى المؤسسات حتى الجهات الحكومية، لضمان عدم استغلال تقنيات جديدة لأغراض غير قانونية.。
الخطوة التالية