في خطوة حاسمة ضد جرائم الإنترنت، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات جديدة على اثنين من بورصات العملات الرقمية، وهما "كريبتكس" و "PM2BTC"، وذلك لدورهما في تسهيل عمليات غسل الأموال المرتبطة بالجرائم السيبرانية. هذه الخطوة تأتي في وقت حساس تتصاعد فيه المخاوف من استخدام العملات الرقمية في الأنشطة غير القانونية، حيث تم إغلاق هذه البورصات واستبدال مواقعها الإلكترونية بلافتات تشير إلى إغلاقها بواسطة الجهات القانونية. إن العمل المنسق الذي قامت به الولايات المتحدة، بالتعاون مع السلطات الهولندية، جاء ضمن جهود مستمرة لمكافحة الجرائم السيبرانية، وهو ما يعرف بعملية "إنرويد إندغيم". وقد أسفرت هذه الحملة عن مصادر تقدر قيمتها بحوالي 7,8 مليون دولار من العملات الرقمية في البورصات المعنية. وفي هذا السياق، صرح برادلي ت. سميث، القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة لمكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، بأن الولايات المتحدة وشركاءها الدوليين ملتزمون تماماً بالتصدي لمتاجري الجرائم السيبرانية مثل PM2BTC وكريبتكس، ولن يقبلوا بأن يعمل هؤلاء بحرية. تعتبر بورصة "PM2BTC" أحد الأسماء المشبوهة، حيث تم اتهامها بتسهيل غسل العملات الافتراضية المرتبطة برموز الفدية والجرائم الأخرى التي تتم بشكل رئيسي من داخل روسيا. هذه البورصة، التي تم تأسيسها منذ عام 2014، قدمت خدمات تبادل خاصة بالعملات الافتراضية من وإلى الروبل الروسي، لكنها أخفقت في تنفيذ برامج فعالة لمكافحة غسل الأموال وتطبيق سياسة "اعرف عميلك"، الأمر الذي جعلها هدفاً سهلاً لمراقبة السلطات. أما بورصة "كريبتكس"، فقد تم اتهامها بالإعلان عن خدماتها بشكل مباشر للمجرمين الإلكترونيين، حيث استقبلت أكثر من 51,2 مليون دولار من العائدات غير القانونية الناتجة عن هجمات الفدية. وقد ادعت البورصة تقديم "سرية كاملة" عند تسجيل الحسابات، مما أضاف إلى تعقيد جهود السلطة للتحقيق في أنشطتها. وفي تطور ملحوظ، تم توجيه تهم جنائية إلى مواطن روسي يدعى سيرجي سيرجيفيتش إيفانوف، المعروف باسم "UAPS" أو "TALEON". يُزعم أن إيفانوف كان يعمل كغاسل أموال محترف لمدة تتجاوز العقدين، حيث قدم خدماته للعديد من المجموعات الإجرامية الإلكترونية وتجار المخدرات. واتُهم أيضاً بمساعدة منصات على الإنترنت لبيع البيانات المسروقة، مثل بازار "جوكير ستاش" الذي تم إغلاقه في فبراير من عام 2021. كما تم الإبلاغ عن اعتقال 96 شخصًا في روسيا، في إطار تحقيق جنائي شامل استهدف بورصتي كريبتكس وUAPS، حيث تم إجراء 148 عملية تفتيش في 14 منطقة مختلفة. وأفادت الهيئة المعنية بالتحقيقات في روسيا بأن الجهات المشتبه بها كانت تقوم بأنشطة غير قانونية تتعلق بتبادل العملات وفواتير النقود، مستفيدة بذلك من المجرمين على الإنترنت الذين يسعون لتبييض أموالهم الناتجة عن أنشطتهم الإجرامية. الرد الأمريكي لم يقتصر فقط على فرض العقوبات، بل تم أيضاً تخصيص مكافآت تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار لكل من يقدم معلومات تؤدي إلى اعتقال إيفانوف وشركائه، إضافة إلى مليون دولار للمعلومات التي قد تقود إلى التعرف على أعضاء آخرين مرتبطين بشبكات مثل UAPS وPM2BTC وKryptex. وفي هذا الإطار، تعتبر العمليات التي تقوم بها وكالة إدارة الأصول الأجنبية جزءاً أساسياً من جهود الولايات المتحدة لتعطيل الشبكات التي تستغل النظام البيئي للعملات الافتراضية لتيسير أنشطتهم غير القانونية. وقد أكد تقرير من شركة "تشيناليزيس" لتحليل البيانات على أهمية تعطيل البنية التحتية التي يستخدمها المجرمون في غسل الأموال وتعزيز الأمن السيبراني. أصبح من الواضح أن التهديدات الناتجة عن الجرائم السيبرانية لا تعترف بالحدود، مما يستدعي تعاوناً دولياً وثيقاً. تعمل السلطات الأمريكية والأوروبية على بناء تحالفات قوية للقضاء على هذه الشبكات الإجرامية التي تسيء استخدام التكنولوجيا لتحقيق مكاسب غير مشروعة. وفي الآونة الأخيرة، تم الإبلاغ عن جهود متزايدة من قبل السلطات الروسية لمكافحة الجرائم الإلكترونية، على الرغم من التحديات السياسية واللوجستية. تُظهر هذه الخطوات أن الحكومات في العالم كله بدأت تدرك أن التعامل مع أنشطة مثل تلك التي تتم في بورصات كريبتكس وPM2BTC يتطلب تكاتف الجهود لمواجهة التحديات المتزايدة في الفضاء السيبراني. بالمجمل، يمكن اعتبار خطوة فرض العقوبات على بورصات العملات الرقمية بمثابة حجر الزاوية في الجهود العالمية لمكافحة الجرائم المالية ولتعزيز الأمن المتعلق بالعملات الرقمية. تعكس هذه الحملة الفهم المتزايد للمخاطر المرتبطة باستخدام العملات الرقمية في الأنشطة الإجرامية، وتسلط الضوء على الحاجة إلى تطوير استراتيجيات فعالة لمراقبة وتوجيه الاستثمارات في هذه السوق المتقلبة.。
الخطوة التالية