تعيش صناعة العملات الرقمية أوقاتًا حرجة ومصيرية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024. تتجه الأنظار نحو المرشحين الرئيسيين، دونالد ترامب وكامالا هاريس، حيث يمثل كل منهما رؤية مختلفة لمستقبل العملات الرقمية في الولايات المتحدة. يظهر أن انتخابات الرئاسة قد تتحدد على أساس السياسات المتعلقة بالعملات الرقمية، وهو ما يجعل العديد من مهتمين بهذا القطاع يعبرون عن آرائهم بشأن تداعيات تلك الانتخابات. قبل ثلاث سنوات، كان ترامب ينظر إلى بيتكوين كشيء "يبدو كأنه عملية احتيال"، بل اعتبرها تهديدًا للدولار الأمريكي. لكنه في تحول ملموس، بدأ في مواجهة انتقادات حادة من مجتمعات العملات الرقمية، حيث قام بإطلاق أعمال جديدة في مجال العملات الرقمية، مثل شركة "World Liberty Financial"، ليعبر عن دعمه غير المتوقع لهذه الصناعة. يبدو ترامب اليوم عازمًا على جعل أمريكا "عاصمة العملات الرقمية في العالم" من خلال وعوده بإنشاء "احتياطي وطني لبيتكوين"، وهو يشبه الاحتياطي الذهبي في البلاد. من جهة أخرى، تتمتع كامالا هاريس، نائبة الرئيس، بموقف أكثر غموضًا حول العملات الرقمية. على الرغم من أن الإدارة الحالية، بإشراف الرئيس بايدن، قد قادت حملة صارمة ضد العديد من شركات العملات الرقمية، إلا أن هاريس لم تحدد موقفًا واضحًا بعد حول كيفية تعاملها مع هذه الصناعة. ومع ذلك، تشير التوقعات إلى أنها تدعم السياسات التي تضمن نمو تلك التكنولوجيا الناشئة. تشهد الولايات المتحدة، في ظل هذا الصراع بين الرؤى المتباينة، خطوة غير مسبوقة من قبل صناعة العملات الرقمية للتأثير على الانتخابات. فقد أنفقت الشركات الناشطة في هذا المجال ملايين الدولارات على التبرعات السياسية، محاولةً التأثير على نتيجة الانتخابات في نوفمبر. تشير التقديرات إلى أن الصناعة قد أنفقت بالفعل حوالي 119 مليون دولار لدعم المرشحين الذين يتبنون سياسات لصالح العملات الرقمية، في محاولة لبث الأمل في الحصول على قوانين أكثر توافقية في المستقبل. تجدر الإشارة إلى أن رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، غاري غينسلر، قد صرح بوضوح أن "صناعة العملات الرقمية مليئة بالاحتيال والنصبين" وأنها سببت خسائر كبيرة للمستثمرين. على الرغم من أن غينسلر كان قد أشار إلى أهمية تنظيم القطاع، فإن العديد من ممارسات الحكومة الحالية أدت إلى إغلاق العديد من الشركات التي نشأت في هذا الفضاء. من المهم أيضًا أن نلاحظ أن القضايا المتعلقة بالعملات الرقمية ليست محصورة بالولايات المتحدة فقط، بل تمتد إلى الساحة العالمية. فبينما تسعى الدول الأوروبية لفرض تنظيمات جديدة للحد من استخدام العملات الرقمية في الأنشطة غير القانونية، فإن بعض الدول الأخرى تظهر تعبئة أبطأ.. وكما ذكر بول غريوال، كبير المسؤولين القانونيين في شركة "Coinbase"، فإن الثقة في الولايات المتحدة كمركز عالمي لتكنولوجيا العملات الرقمية تشهد تهديدات جدية. في حين أن هناك من يراهن على مستقبل أكثر إشراقًا لصناعة العملات الرقمية مع إمكانية فوز ترامب، يبقى موقف هاريس غير واضح وقد يُشكل عقبة أمام أي تقدم. تبقى الأسئلة المحورية: ماذا ستفعل الإدارة القادمة، أيًا كان الفائز؟ وهل سيتجهون نحو مزيد من التنظيم أو نحو مزيد من الحرية في هذا القطاع؟ حسب الاستطلاعات، فقد شهدت شعبية العملات الرقمية تراجعًا بين الأمريكيين، حيث انخفض عدد المشاركين في سوق العملات الرقمية من 12% في عام 2021 إلى 7% في العام الماضي. هذا الانخفاض يعكس مخاوف المستهلكين واحتمالية الاحتيال، وبالتالي فإن المرشحين يجب أن يأخذوا في الحسبان الآثار الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بصناعة العملات الرقمية. تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكية فرصة تاريخية لصناعة العملات الرقمية، وليس فقط كصوت انتخابي، بل كحركة تسعى لتعزيز مكانة الصناعة في النظام المالي العالمي. ترغب الشركات في أن تُعامل بنفس القوانين المتبعة للاقتصاد التقليدي، حيث تطالب بأن يكون هناك تنظيم فعّال لكن عادل. إنه من المحتمل أن تصبح قضايا العملات الرقمية السياسية أكثر تشعبًا مع اقتراب الانتخابات، حيث أن كل صوت سيكون له تأثير كبير على نتائج الانتخابات. ويأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من التصويت لصالح المرشحين من ذوي الآراء الداعمة للعملات الرقمية، في إطار سعيهم للحفاظ على مستقبل الصناعة واكتساب المزيد من الثقة من المشرعين. يمكن القول إن الانتخابات القادمة يمكن أن تحدد مصير العملات الرقمية ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن في جميع أنحاء العالم. تتفرع التحديات وتظهر الفرص، لكن لا يزال الرأي العام هو العامل الحاسم في توجيه المسارات المحتملة للسياسات المتعلقة بالعملات الرقمية. وفي نهاية المطاف، سيكون دور الناخبين في توجيه تلك المسارات أكثر أهمية من أي تحليل حول نظرية أو استراتيجية. بالنظر إلى التعقيدات والمخاطر المتضمنة، فإن الناخبين ينتظرون بفارغ الصبر لمعرفة كيف ستستجيب الحملات الانتخابية ومتطلبات الصناعة لتلك الديناميكيات، بشكل يحدد شكل مستقبل العملات الرقمية في الولايات المتحدة. انطلقت المنافسة، وما زال الحديث جارٍ حول كيفية تأثير نتيجة الانتخابات على المجتمعات المالية وفي أروقة الحكومات، وكيف يمكن أن تتفاعل الحكومات مع هذه الظاهرة المتطورة التي باتت تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد العالمي.。
الخطوة التالية