تقدم الحكومة الأمريكية سنويًا ميزانية شاملة، توضح توجهاتها الاقتصادية ورؤيتها لما يجب أن تكون عليه البلاد في المستقبل. ومع اقتراب السنة المالية 2025، أعلن الرئيس جو بايدن عن ميزانيته المقترحة، والتي تحمل الكثير من الاهتمام والجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية. تظهر ميزانية بايدن المقترحة التزامًا مستمرًا بتمويل البرامج الاجتماعية وتحسين البنية التحتية، مع تعزيز النمو الاقتصادي. ومن الملفت أن هذه الميزانية تأتي في خضم تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك خفض عجز الميزانية والتضخم المتزايد. تتضمن الميزانية المقترحة استثمارات كبيرة في مجال البنية التحتية، خاصةً في قطاع الطاقة المتجددة. ويؤكد الرئيس بايدن على أهمية هذه الاستثمارات في مواجهة التغير المناخي وتحقيق أهداف الاستدامة. يشمل ذلك تخصيص أموال لبناء منشآت طاقة شمسية ورياح، بالإضافة إلى تحسين شبكة الكهرباء في البلاد. كما تعكس الميزانية وعود بايدن بتحقيق انتقال طاقة نظيفة بحلول عام 2035. علاوة على ذلك، تسلط الميزانية الضوء على أهمية التعليم والرعاية الصحية. حيث يُخصص جزء كبير من الموارد المالية لتحسين نظام التعليم العام، وتوسيع برامج التعليم المبكر. وبالنسبة للرعاية الصحية، يعتزم بايدن زيادة الدعم لبرامج الرعاية الصحية الحكومية وتوسيع الوصول إلى خدمات الصحة العقلية. يرى كثيرون أن هذه الاستثمارات ضرورية لدعم الطبقة المتوسطة وضمان حصول الجميع على الفرص الصحيحة. ومع ذلك، تثير الميزانية المقترحة أسئلة حول كيفية تمويل هذه التكاليف الكبيرة. يعتمد جزء كبير من التمويل على زيادة الضرائب، خاصة على الأثرياء والشركات الكبرى. يدعو بايدن إلى زيادة الضريبة على الدخل للأشخاص الذين يتجاوز دخلهم 400,000 دولار سنويًا، وزيادة الضرائب على الشركات. ويدعي أن هذه السياسات سوف تساهم في تقليص الفجوة الاقتصادية وتمويل البرامج الحيوية. لكن هذا الاقتراح لم يسلم من الانتقادات، حيث يرى الكثير من الجمهوريين أن زيادة الضرائب ستعيق النمو الاقتصادي وتثني الاستثمارات. يقولون إن التخفيضات الضريبية التي تمت خلال إدارة ترامب شجعت الأعمال على التوسع وخلق وظائف جديدة، ويخافون أن المناطق الريفية ستتأثر بشكل أكبر من خلال هذه السياسات. كما يتناول النقاش حول الميزانية قضية المديونية العامة. في السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ، مما يزيد من الضغوط على الحكومة للسيطرة على عجز الميزانية. يُظهر تحليل مؤسسة "تاكس فاونديشن" أن الميزانية المقترحة قد يؤدي إلى ارتفاع الدين العام بشكل أكبر إذا لم يتم اتخاذ تدابير فعالة لخفض العجز. الفكرة هي أن الإدارة يجب أن تجد توازنًا بين الاستثمارات في المستقبل وبين الحفاظ على الاستقرار المالي. تتطرق الميزانية أيضًا إلى قضايا تتعلق بالعدالة الاجتماعية، حيث ينص الاقتراح على توفير دعم إضافي للفئات الأكثر احتياجًا. تتمثل إحدى المبادرات في زيادة التمويل لبرامج التغذية للأسر ذات الدخل المنخفض. بالإضافة إلى ذلك، تُقدّم الميزانية تمويلًا لمبادرات التوظيف للشباب، مما يسعى إلى خفض معدل البطالة بينهم. بينما تتجه الأنظار إلى الكونغرس، حيث سيتم مناقشة الميزانية، يبقى الجميع في حالة ترقب لمعرفة كيف ستتصرف الأحزاب السياسية. قد تظهر هناك الكثير من الخلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين حول خيارات التمويل ووضع الأولويات. كما أن هناك تحديًا كبيرًا يتمثل في كيفية تحقيق إجماع حول التغييرات المقترحة، خاصة في بيئة سياسية متقسمة كما هو الحال الآن. على الرغم من جميع التحديات، يقدم بايدن ميزانيته كفرصة لتجديد التزام الحكومة بتحسين حياة المواطنين الأمريكيين. من خلال التركيز على التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، يهدف إلى خلق قاعدة قوية للنمو المستدام. كما يأمل أن هذه الإجراءات ستساعد في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفجوة الاقتصادية بين مختلف فئات المجتمع. كخلاصة، تمثل ميزانية الرئيس بايدن المقترحة لعام 2025 نقطة تحول في السياسة الاقتصادية الأمريكية. بينما تواجه تحديات كبيرة، مثل التضخم والديون، إلا أن الطموحات التي يعرضها بايدن قد تكون بمثابة انعكاس لرؤيته لبلد أكثر شمولًا وازدهارًا. يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة تحقيق تلك الرؤى الطموحة وتحويلها إلى واقع ملموس؟ الاختبار الحقيقي سيأتي في الأشهر المقبلة عندما تُناقش هذا الميزانية في الكونغرس.。
الخطوة التالية