في عالم تتزايد فيه الضغوطات وتتعاظم التحديات المتعلقة بالصحة النفسية، بدأ مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في البحث عن ملاذات جديدة تساعدهم على التركيز على تجارب ذات مغزى بدلًا من الانغماس في الصراعات النفسية التي تتميز بها المنصات التقليدية مثل فيسبوك وتويتر. ولقد تصدر كل من تطبيق "سترافا" و"ليتر بوكسد" المشهد كوجهات جديدة للمستخدمين الذين يتوقون إلى تجارب أكثر إيجابية وتركز على الهوايات والاهتمامات الخاصة. يعتبر "سترافا" منصة تتخصص في رياضة الجري وركوب الدراجات، حيث يمكن للمستخدمين تعقب أنشطتهم الرياضية ومشاركتها مع الأصدقاء. يتيح التطبيق لمستخدميه تسجيل وتنظيم نشاطاتهم، مما يجعل من السهل متابعة التحسينات الشخصية. مع تفشي وباء كورونا، شهد "سترافا" زيادة ملحوظة في عدد المستخدمين، حيث أصبح الأشخاص يلجأون إليه كوسيلة لتحفيز أنفسهم على ممارسة الرياضة والتواصل مع الآخرين في إطار من الإيجابية. من جهة أخرى، جاء "ليتر بوكسد" ليغذي شغف عشاق القراءة. يعد هذا التطبيق بمثابة منصة اجتماعية لمشاركة ومناقشة الكتب. يمكن للمستخدمين تسجيل الكتب التي قرأوها، تقييمها، وكتابة مراجعات عنها. لكنه لا يقتصر فقط على ذلك، بل يتيح للمستخدمين التواصل مع أشخاص يشاركونهم اهتماماتهم الأدبية، وبالتالي خلق مجتمع مترابط حول حب القراءة. المشكلة الأساسية التي تواجه الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية تكمن في طبيعة المحتوى الذي تتم مشاركته والذي غالباً ما يكون سلبياً أو مؤلماً. فالأخبار السيئة والجدل السياسي والمحتويات الإشكالية هي العناصر الأكثر ظهورًا على المنصات التقليدية. ولذلك، فإن المستخدمين، وخصوصًا الشباب، بدأوا يشعرون بالملل والقلق من ضغط هذه البيئة السلبية، مما جعلهم يتحولون إلى منصات جديدة تعزز من حياتهم وتجاربهم الإيجابية. تشير الإحصائيات إلى أن عدد المستخدمين النشطين في "سترافا" قد تجاوز 100 مليون في السنوات الأخيرة، حيث يسجل المستخدمون أكثر من 30 مليون نشاط رياضي يوميًا. هذا الزخم ليس فقط حول الاستخدام الذاتي ولكن أيضًا حول بناء مجتمع يركز على التحسين المستمر والمشاركة الصحية. يعمل التطبيق على تشجيع اللاعبين على التفاعل مع بعضهم البعض من خلال التحديات والأحداث الجماعية، الأمر الذي يعزز من الروح التنافسية بشكل إيجابي. أما بالنسبة لـ "ليتر بوكسد"، فقد شهد هو الآخر نموًا كبيرًا؛ حيث يعد بمثابة منصة للعديد من الكتّاب والمراجعين والمفكرين. تحظى المنصة بجمهور واسع من عشاق الأدب، الذين يتبادلون الآراء حول أحدث الإصدارات والكتب الكلاسيكية، مما يخلق مساحة مثالية للنقاش والتعارف. وبفضل واجهته البسيطة وسهولة الاستخدام، أصبح "ليتر بوكسد" وجهة مفضلة لمستخدمي الهواتف الذكية المهتمين بالكتب. كما أن السمة المشتركة بين "سترافا" و"ليتر بوكسد" تكمن في تركيزهما على الهوايات والاهتمامات الشخصية. كلا المنصتين تعتمدان على فكرة بناء مجتمع حول اهتمامات محددة، مما يسهل التواصل بين الأعضاء. هذا الاتجاه يتماشى مع رغبة المستخدمين المتزايدة في الابتعاد عن الأنماط السلبية التي تميز الشبكات الاجتماعية التقليدية. الجدير بالذكر أن هذه المنصات ليست مجرد بدائل، بل تحظى أيضًا بتقدير كبير من قبل الأفراد والدوائر الصحية. العديد من الأطباء النفسيين والمختصين النفسيين أوصوا بضرورة ممارسة الأنشطة التي تبعث على السعادة والرضا، مثل ممارسة الرياضة أو القراءة. ومن هنا، تستطيع منصات مثل "سترافا" و"ليتر بوكسد" أن تلعب دورًا مهماً في تعزيز الصحة النفسية وتعظيم التجارب الإيجابية في حياة الأفراد. ومع استمرارية هذا الاتجاه، يبدو أن مستقبل التواصل الاجتماعي قد يتجه نحو مزيد من التخصص. فبدلًا من محاولة جذب أكبر عدد ممكن من المستخدمين، قد تكون المنصات التي تركز على مجالات محددة هي القادرة على البقاء؛ حيث تُعزز من انتماء الأفراد لمجتمعات خاصة بهم، مما يسهم في تكوين روابط أعمق وصداقات واقعية. ومع تزايد الطلب على تلك المنصات، يتوقع العديد من الخبراء أن يلتفت المطورون إلى البحث عن طرق جديدة لتحسين تجربة المستخدم وتوسيع نطاق الخدمة المقدمة. هذا، بالإضافة إلى تنويع المحتوى وطرح مزيد من الميزات التي تلبي احتياجات المستخدمين المختلفة، يمكن أن يسهم في زيادة جاذبية تلك المنصات. في النهاية، تبين أن الابتعاد عن الأجواء السلبية التي تسود وسائل التواصل الاجتماعية التقليدية وحده ليس كافيًا، بل يتطلب الأمر البحث عن بدائل صحية ومؤثرة. ويبدو أن "سترافا" و"ليتر بوكسد" قد قدما نموذجًا مثاليًا يُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون أداة إيجابية، تعزز من الصحة النفسية وتقرب أصدقاء جدد حول اهتمامات مشتركة. وبما أن سعي الأفراد نحو تجربة تفاعلية وصحية لا يزال مستمرًا، يتوقع أن يتزايد الإقبال على هذه المنصات وزيادة الحفاظ على الاتصال الاجتماعي بطريقة أكثر إيجابية وبناءً.。
الخطوة التالية