تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 نقطة تحول حاسمة لصناعة العملات الرقمية، حيث وجدت نفسها تتوسط مجريات الحملة الانتخابية مع تصاعد الاهتمام والضغط لفرض تنظيمات متوازنة ومستدامة. في الوقت الذي انتهت فيه مؤتمرات الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري، ووضعت فيه أسماء المرشحين الرئيسيين، يقترب النقاش حول العملات الرقمية ليصبح جزءًا محوريًا من جدول الأعمال السياسي. يظهر أحد أبرز مظاهر هذا الاهتمام في الدعم المتزايد من بعض المرشحين للقطاع الرقمي. فقد أعرب الرئيس السابق دونالد ترامب عن تأييده للعملات المشفرة، حيث شرع في قبول التبرعات بالعملات الرقمية، وقام بمشاركة في فعاليات بارزة مثل مؤتمر بيتكوين 2024 في يوليو الماضي. وفي الجانب الآخر، اتخذت نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس خطوات مشابهة من خلال تنظيم أحداث مثل "Crypto4Harris"، بهدف كسب دعم فعاليات الصناعة. ورغم هذه التطورات الإيجابية، تظل هناك تساؤلات حول كيفية تأثير هذا الاهتمام على القوانين والتشريعات المستقبلية. فوزير الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، أعرب عن تفاؤله بإمكانية تمرير تشريع شامل للعملات الرقمية بحلول نهاية عام 2024. لكن يتعين الإشارة إلى أن تحقيق هذا التوجه قد يكون محفوفًا بالمخاطر، إذ أن التسرع في التشريع غالبًا ما يفضي إلى صفقات غير مكتملة أو معيبة. لقد أظهرت الصناعة أنها مستعدة للإنفاق بكثافة على أنشطة الضغط واللوبي، حيث قدر الإنفاق في هذا المجال بحوالي 129 مليون دولار، وهو ما يجعلها في المرتبة الثانية بعد صناعة الوقود الأحفوري. هذا الإنفاق، وإن كان قد أبرز أهمية العملات الرقمية لدى صانعي القرار، إلا أنه قد يكون له آثار عكسية على المدى الطويل. فالمساهمة الكبيرة لأموال الحملات الانتخابية يمكن أن تجعل الصناعة هدفًا سهلاً للانتقادات، وتسمح بظهور تشريعات قد لا تخدم بالضرورة مصالحها. تاريخيًا، شهدت صناعة العملات الرقمية أزمات مثل انهيار منصة FTX، الذي أظهر كيف يمكن أن يؤدي افتقار التنظيم إلى نتائج كارثية. ومن هذا المنطلق، ينبغي لصناعة العملات الرقمية أن تتجنب تكريس نفسها كموضوع للنقاشات السياسية، حتى لا تقع تحت سيطرة المصالح الحزبية. بينما يبدو الطرفان الكبيران في السياسة الأمريكية، الديمقراطي والجمهوري، قد حازا على دعم العملات الرقمية، يظهر التحدي في عدم جعل هذه الصناعة مجرّد نقطة نقاش سياسية أو تكتيك انتخابي. في ظل هذا المنظور، يجب أن تتبنى الصناعة برمّتها توجهًا أكثر تماسكًا وتفهمًا لاحتياجاتها الخاصة في مجال التنظيم والتشريع. إن زيادة التركيز على العملة الرقمية داخل الحملة الانتخابية تثير المخاوف من أن تكون الانتخابات بمثابة أرضية للتصريحات الجوفاء، بدلًا من أن تكون فرصة حقيقية لتحسين الظروف التشريعية. لا بد من أن تتعملق الجهود من أجل تحقيق قاعدة تنظيمية تعزز من التطوير والنمو، بدلاً من السماح لصناعة العملات الرقمية بالانغماس في تجاذبات سياسية. علاوة على ذلك، فإن التوجهات السياسية في البيت الأبيض باتت تمثل تحديًا حقيقيًا للقطاع. فمن أجل البناء على ما تم تحقيقه من تقدم، يجب أن تتبنى الشركات والأفراد في مجال العملات الرقمية خطابًا موحدًا يعكس أهمية التنسيق والتعاون مع الهيئات الحكومية المعنية، بدلاً من الانخراط في نزاعات حزبية. بالنظر إلى المستقبل، ينبغي أن تحرص الصناعة على تبني استراتيجية شاملة للتفاعل مع من هم في السلطة. وهذا يستلزم التوازن بين الترويج للمصالح التجارية والعمل على تشكيل سياسات عامة تستند إلى الفهم الصحيح للتكنولوجيا واحتياجات السوق. من الضروري أن يتم التعامل مع التحديات بشكل استباقي، بحيث تُعطى الأولوية للابتكار المستدام والامتثال الفعال. في ختام المطاف، يجب أن تكون مصلحة القطاع حاضرة في قلب جميع التحركات المستقبلية. على الرغم من أن الظروف الحالية تبدو مواتية، إلا أن التحول نحو تنظيم فعال يتطلب استثمارًا عميقًا في المناقشات والسياسات. سيكون لنجاح أو فشل هذه الجهود تأثيرات بعيدة المدى على مستقبل صناعة العملات الرقمية ككل، ولذلك يجب الاستعداد جيدًا لما قد يخبئه المستقبل من تحديات وفرص. إن نجاح مؤسسات العملات الرقمية في التأقلم مع البيئة السياسية المتغيرة سيتطلب عدم الاكتفاء بالحضور على الساحة السياسية، بل السعي نحو بناء فهم عميق يعزز من موقفها التنظيمي ويحقق الأهداف المشتركة للمهتمين في هذا المجال.。
الخطوة التالية