تحتل العملات الرقمية موقعًا متزايد الأهمية في النظام المالي العالمي، حيث تثير اهتمام الجميع بدءًا من المستثمرين وحتى الحكومات. ومن بين أهم الموضوعات التي تتعلق بالعملات الرقمية هو دورها المحتمل في تعزيز الشمول المالي، والذي يعتبر إحدى القضايا الملحة في العديد من الدول النامية. تُعرّف الشمول المالي على أنه توفير خدمات مالية مفيدة وفعالة للأفراد والشركات، وخاصة للذين لا يملكون حسابات مصرفية أو وصولًا إلى خدمات مالية تقليدية. ومع تزايد الطلب على الخدمات المالية، لا سيما في المناطق التي تعاني من ضعف في البنية التحتية المالية، تعمل العملات الرقمية على سد الفجوة الموجودة بين الناس والنظام المالي. تأسست فكرة العملات الرقمية في عام 2008 مع ظهور البيتكوين، العملة الأكثر شهرة اليوم. منذ ذلك الحين، تطورت العملات الرقمية بشكل كبير، وأصبحت تتضمن العديد من الأنواع المختلفة، مما أتاح فرصًا جديدة للأفراد غير المتعاملين مع المصارف. واحدة من أكبر فوائد العملات الرقمية هي إمكانية الوصول إليها. في العديد من دول العالم، يعاني الناس من عدم قدرتهم على الوصول إلى الخدمات المصرفية بسبب نقص البنية التحتية أو عدم وجود وثائق تثبت هويتهم. يمكن للأشخاص الوصول إلى العملات الرقمية عبر هواتفهم الذكية، مما يجعلها وسيلة سهلة وميسورة التكلفة لإجراء المعاملات. يمكن للأفراد الذين لا يملكون حسابات مصرفية أيضًا استخدام المحافظ الرقمية لتخزين أموالهم، وهذا يعزز من قدرتهم على إدارة أموالهم بشكل أفضل. علاوة على ذلك، تتيح العملات الرقمية تحويل الأموال بسرعة ودون أي رسوم عالية مقارنة بالتحويلات التقليدية عبر المصارف. في الكثير من الدول النامية، يعتمد الناس على إرسال الأموال من الخارج، وغالبًا ما تكون الرسوم المرتفعة تمثل عائقًا. ولكن باستخدام العملات الرقمية، يمكن تقليل هذه الرسوم بشكل كبير، مما يعني أن المزيد من الأموال يمكن أن تصل إلى عائلاتهم في الوطن. في الوقت الحالي، هناك العديد من المبادرات التي تستخدم العملات الرقمية لتعزيز الشمول المالي. قد تستعمل بعض الشركات الناشئة في أفريقيا والعالم العربي تقنيات البلوكتشين لإنشاء منصات مالية مبتكرة تلبي احتياجات الأفراد. فمثلاً، تقدم بعض التطبيقات خدمات القروض الصغيرة باستخدام تكنولوجيا البلوكتشين التي تضمن الأمان والشفافية. وبالإضافة إلى ذلك، تقدم بعض المنظمات غير الحكومية العون للأفراد عن طريق تعليم الناس كيفية استخدام العملات الرقمية والتكنولوجيا المصاحبة لها. هذا التدريب يمكن أن يمكّن الأفراد من الاستفادة من هذه الأدوات المالية الحديثة لبناء استثماراتهم الشخصية وتحسين أوضاعهم الاقتصادية. ومع ذلك، لا تخلو العملات الرقمية من التحديات. فمن المهم أن يتمكن المستخدمون من فهم المخاطر المرتبطة بالاستثمار في هذه العملات. تتذبذب أسعار العملات الرقمية بشكل كبير، مما يعني أن الأفراد قد يفقدون أموالهم إذا لم يكونوا حذرين. لذا من المهم أن يزداد الوعي المالي لتعزيز استخدام هذه الأدوات بطريقة آمنة ومحسوبة. كما أن هناك جوانب تنظيمية ينبغي النظر فيها. يجب على الحكومات وضع قوانين وتنظيمات واضحة لضمان أن الاستخدامات المالية للعملات الرقمية تتماشى مع القوانين المحلية وتحمي الأفراد من الاحتيال. ولكن، في العديد من الدول، لا تزال القوانين متخلفة عن التقدم السريع للعملات الرقمية. يرى العديد من الخبراء أن الشمول المالي من خلال العملات الرقمية يعد خطوة نحو المزيد من العدالة الاجتماعية. إذا تمكّن الأفراد من الوصول إلى الخدمات المالية، فإنهم سيكونون في وضع أفضل لتلبية احتياجاتهم الأساسية والاستثمار في مستقبلهم. وهذا بدوره يمكن أن يسهم في تطوير المجتمعات والاقتصادات المحلية. في النهاية، لا تزال العملات الرقمية في مراحلها الأولى، ولكن الإمكانيات التي تقدمها لتعزيز الشمول المالي واضحة. يمكن لهذه التقنيات أن تفتح آفاقًا جديدة للأفراد الفقراء والمحرومين من الخدمات المالية، مما يساعد على تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة في المجتمع. إذا استمرت الابتكارات التكنولوجية والمبادرات المجتمعية في الازدهار، فإن المستقبل قد يحمل معه فرصاً مالية أكبر وأكثر شمولاً لجميع الأفراد، مما يساعد على بناء عالمٍ أكثر ترابطًا وتعاونًا. ولكن لا يزال الطريق طويلًا، ويتطلب العمل الجماعي للتغلب على التحديات وتحقيق هذه الرؤية.。
الخطوة التالية