في السنوات الأخيرة، دخلت العملات الرقمية عالم المعاملات اليومية بشكل متزايد. واحدة من أكثر التجارب المثيرة للاهتمام في هذا السياق كانت في مدينة لوغانو السويسرية، التي أصبحت نموذجاً يحتذى به في تبني العملات المشفرة كوسيلة دفع. ومع ترسخ التكنولوجيا المالية في الأذهان، تظهر مجموعة من الدروس القيمة التي يمكن أن يُستفاد منها لتوجيه مستقبل المدفوعات الرقمية الدولية والمحلية. في عام 2022، أطلقت مدينة لوغانو مبادرة تجريبية مثيرة للاهتمام تُعرف باسم "إطار لوغانو للعملات الرقمية"، الذي يُتيح للمواطنين والزوار إمكانية دفع ثمن السلع والخدمات باستخدام العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثيريوم. يعتبر هذا الإجراء جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى التحول نحو الاقتصاد الرقمي وتعزيز الابتكار في النظام المالي. تعتبر لوغانو من المدن القليلة في العالم التي تتبنى هذه التقنية بشكل رسمي وعلني. التجربة لم تشمل فقط المطاعم والمتاجر، بل توسعت الى العديد من الخدمات العامة، مثل دفع الضرائب والرسوم المحلية. هذه الخطوة تمثل تحولاً جذرياً في الطريقة التي نتعامل بها مع المال، وفتحت الأبواب أمام النقاشات حول فوائد ومخاطر استخدام العملات المشفرة في الحياة اليومية. على الرغم من وجود تحديات تقنية وقانونية، إلا أن أهمية هذه المبادرة لا يمكن إنكارها. فقد ساهمت في إسقاط الحواجز التقليدية التي كانت تعيق استخدام هذه العملات، مما يجعلها أكثر قابلية للتداول بين الناس. تجربة لوغانو تقدم دروساً قيمة للدول والمدن الأخرى التي تسعى لتبني العملات المشفرة. أول درس يمكن استخلاصه هو أن البنية التحتية التقنية تلعب دوراً حاسماً. قامت لوغانو بتطوير بنية تحتية فعالة تعزز من استخدام العملات الرقمية، مما يجعل إجراء المدفوعات أمراً سهلاً وسلساً. هذا الأمر يتطلب استثماراً في التكنولوجيا وتوعية المجتمع حول كيفية استخدام هذه الأدوات الجديدة. فعلى سبيل المثال، تم توفير تطبيقات مخصصة لتسهيل المدفوعات، مما يساعد على زيادة استخدام العملات المشفرة ويجعلها أكثر جاذبية للمستخدمين. ثانياً، يُظهر نموذج لوغانو أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص. من خلال إشراك الشركات المحلية في هذه المبادرة، تمكنت لوغانو من خلق بيئة داعمة ومزدهرة للاستخدام اليومي للعملات المشفرة. التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص يمكن أن يوفر الدعم اللازم والموارد التي تساهم في نجاح هذه التجربة. من خلال دعوة المستثمرين والشركات للانضمام إلى المبادرة، يمكن توسيع نطاق استخدام العملات المشفرة بشكل أسرع. كما يكشف نموذج لوغانو عن ضرورة وجود إطار قانوني واضح ينظم استخدام العملات المشفرة. فبدون تنظيم قانوني مدروس، قد تبقى العديد من المخاوف قائمة لدى المستخدمين والمستثمرين. لذلك، مشاركة الهيئات التنظيمية في تطوير القوانين يمكن أن تساعد في بناء الثقة بين جميع الأطراف المعنية. فلوغانو، كمدينة تتبنى العملات الرقمية، تعزز لديها الشفافية وتساعد على حماية حقوق المستخدمين. أما الدرس الثالث المرتبط بالتثقيف، فيظهر في أهمية تعزيز معرفة الجمهور بالعملات الرقمية وكيفية استخدامها. فقد تم تنظيم ورش عمل وندوات في لوغانو تهدف إلى تعليم المواطنين كيفية التعامل مع العملات الرقمية. هذه الجهود تساهم في بناء ثقافة مالية أفضل وتساعد الناس على فهم الفوائد والمخاطر الموجودة في هذا النوع من المدفوعات. وعلى الرغم من أن تجربة لوغانو كانت ناجحة حتى الآن، إلا أن هناك بالتأكيد العديد من التحديات التي تواجه استخدام العملات المشفرة في المدفوعات اليومية. أبرز هذه التحديات هو التقلب الشديد في أسعار العملات الرقمية، مما يجعل استخدامها في المعاملات اليومية أمراً محفوفاً بالمخاطر. فعلى سبيل المثال، إذا قام أحد العملاء بدفع ثمن وجبة باستخدام البيتكوين، قد يتعرض لاحقاً لفقدان قيمة المبلغ نتيجة تقلبات السوق. هذا الأمر يتطلب تطوير آليات للتحوط أو استخدام تقنيات جديدة تثبت استقرار الأسعار. كذلك، لا يمكن إغفال القضايا المتعلقة بالأمان والاحتيال، حيث تعتبر العملات المشفرة هدفاً للكثير من الأنشطة الإجرامية. لذلك، يجب أن تضمن أي استراتيجية لدعم العملات الرقمية وجود أنظمة أمان قوية لحماية المستخدمين والمعاملات. لوغانو، من خلال العمل مع خبراء التكنولوجيا والقانون، يمكنها تقليل هذه المخاطر وتوفير بيئة آمنة للاستثمار. أخيرًا، يمكن اعتبار تجربة لوغانو بمثابة نقطة انطلاق لفرص جديدة في عالم المدفوعات الرقمية. يمكن للدروس المستفادة من نجاحها أو تحدياتها أن تلهم مدنًا أخرى حول العالم لاحتضان هذه التكنولوجيا المالية الثورية. ففي الوقت الذي يتجه فيه المجتمع نحو التحول الرقمي، تلعب العملات المشفرة دوراً متزايد الأهمية في عالم الأعمال والحياة اليومية. يمكن القول بأن مستقبل العملات الرقمية في المدفوعات اليومية يبدو واعداً، إذ أن نجاح تجارب مثل تجربة لوغانو يفتح الأفق أمام المزيد من الابتكارات والتغيرات. وعلى الرغم من التحديات، فإن القبول المتزايد والتبني الجاد لهذه التكنولوجيا من قبل الحكومات والمجتمعات سيسهم في تشكيل مستقبل متنافس وأكثر شمولية في عالم المدفوعات. وبهذا، يمكن للمدن مثل لوغانو أن تظل نموذجاً يحتذى به، حيث تجسد رؤية لمستقبل اقتصادي أكثر انفتاحاً ورقمنة.。
الخطوة التالية