تكنولوجيا الحوسبة الكمومية تعتبر واحدة من أهم التطورات التقنية في القرن الحادي والعشرين. ومع زيادة الاهتمام بها، تبرز تساؤلات حول تأثيرها المحتمل على أمان العملات الرقمية، وخاصة عملة البيتكوين. يعتقد العديد من الخبراء أن ظهور الحواسيب الكمومية المتقدمة يمكن أن يهدد نظام الأمان الخاص بالعملات الرقمية بحلول عام 2030. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سنكون على علم بهذا التهديد؟ تقوم فكرة الحوسبة الكمومية على استخدام وحدات البيانات المعروفة باسم "كيوبيت" التي يمكن أن تتواجد في حالات متعددة في نفس الوقت، عكس وحدات البت التقليدية التي تمثل فقط حالة واحدة إما 0 أو 1. هذا يعني أن الحواسيب الكمومية لديها القدرة على إجراء حسابات معقدة بشكل أسرع بكثير من الحواسيب التقليدية، مما يمنحها القوة اللازمة لكسر التشفيرات المستخدمة في تأمين العملات مثل البيتكوين. تعتبر التشفيرات المستخدمة في البيتكوين، مثل خوارزمية التوقيع الرقمي، أساساً للأمان في نظام البلوكشين. يعتمد الأمان على العلاقة الرياضية بين المفاتيح العامة والخاصة، بحيث يمكن استنتاج المفتاح العام من المفتاح الخاص، لكن لا يمكن العكس. إذا تمكنت الحواسيب الكمومية من حل هذه المعادلات بسرعة، فإن ذلك يعني أنه يمكن استغلالها لاستخراج المفاتيح الخاصة من المفاتيح العامة، وهو ما يعرض أموال البيتكوين لخطر كبير. دراسات عديدة تظهر أن حوالي 25% من عملات البيتكوين قد تكون عرضة للهجمات الكمومية، خاصة تلك المخزنة في محافظ تستخدم "المفاتيح العامة" مباشرة، والتي تجعلها مكشوفة لهجمات الكمومية. من خلال دراسة أُجريت في عام 2020، تم فهم المزيد عن مدى تعرض عملة البيتكوين للخطر وتحديد المسؤوليات. ومع استمرار ظهور تكنولوجيا الحوسبة الكمومية، تبرز حاجة ملحة لتطوير بروتوكولات جديدة لحماية الأصول الرقمية. يعتقد الكثير من العلماء والباحثين أنه إذا استمر التطور التكنولوجي في الحوسبة الكمومية بنفس الوتيرة، فقد يتمكن القراصنة من استغلال هذه التكنولوجيا للسيطرة على أموال المستخدمين بشكل سري. وهذا يعني أن الهجمات يمكن أن تحدث دون أن نلاحظها، مما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا في تحديد ما إذا كانت هناك خروقات أمان بالفعل. توقعات العديد من العلماء تشير إلى أن الحواسيب الكمومية قد تبلغ قوتها اللازمة لكسر التشفيرات المستخدمة في البيتكوين بحلول منتصف عام 2030. وقد انخفضت التقديرات السابقة التي كانت تتحدث عن الحاجة لآلاف أو ملايين الكيوبيت لتصبح 126,000 كيوبيت. مع ذلك، يبقى تطوير هذه التكنولوجيا تحديًا كبيرًا، حيث تظل القضايا المرتبطة بالتحكم في أخطاء الكم، وكذلك الحاجة إلى بيئات التشغيل ذات درجات حرارة منخفضة، عقبات رئيسية أمام هذا النوع من الحوسبة. أصحاب العملات الرقمية بحاجة إلى إعداد خطط طوارئ لمواجهة هذه التهديدات. من بين هذه الخطط تطوير خوارزميات مقاومة للكم، والتي قد تستغرق وقتًا طويلًا لتحقيق الإجماع حولها في مجتمع التشفير. إن تطوير معايير جديدة للتشفير يتطلب موارد هائلة ويحتاج إلى توافق وتحقيق متطلبات أمان جديدة. أيضًا، هناك تساؤلات حول كيف ستؤثر هذه التطورات على السوق. يبدو أن العملات التي تتبنى بروتوكولات مقاومة الكم بشكل أسرع ستحظى بميزة تنافسية أمام العملات الأخرى، مما قد يؤثر على تكوين السوق. وهذا يعيد للأذهان الحذر الذي يتسم به المستثمرون عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في الأصول التي قد تواجه تهديدات متزايدة. التحديات التي تواجه العملات الرقمية في ظل هذا التطور تفتح المجال لنقاشات أوسع حول كيفية الاستثمار بشكل آمن في عالم العملات الرقمية الذي يتطلع دائمًا للابتكار. على سبيل المثال، أفاد فيتاليك بوترين، مؤسس إثيريوم، أنه ينبغي على المنصات إجراء تغييرات هامة لتفادي الأزمات التي قد تنتج عن الخروقات. كانت هناك أيضًا دعوات من منظمات مثل المنتدى الاقتصادي العالمي لوضع معايير جديدة تضمن حماية الأصول الرقمية من المخاطر التي قد تنتج عن الحوسبة الكمومية. بينما يمكن أن تكون الحوسبة الكمومية تهديدًا، قد تظهر أيضًا فرص جديدة في التطبيقات المالية والاقتصادية. بعض الخبراء يجادلون بأن تحسينات الحوسبة الكمومية يمكن أن تؤدي إلى طرق جديدة لتأمين المعاملات وتحسين عمليات التحقق. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تُستخدم الحوسبة الكمومية لتطوير نماذج جديدة من البلوكشين التي تعد أكثر أمانًا وفعالية. في النهاية، يتضح أن الاستعداد لمواجهة التهديدات التي تمثلها الحوسبة الكمومية أمر بالغ الأهمية. من المحتمل أن تشهد العملات الرقمية تغيرات كبيرة في ظل هذه التطورات، وقد تتشكل السوق بطرق غير متوقعة. على الأفراد والشركات على حد سواء أن يظلوا واعيين لهذه التغيرات السريعة وأن يتخذوا الاحتياطات اللازمة لحماية أصولهم واستثماراتهم. إن الحوسبة الكمومية قد تكون في بداياتها، لكن تبعاتها على قطاع العملات الرقمية تظل جادة. وبالتالي، فإن الاجتهاد في البحث والتطوير والتعاون بين شركات البلوكشين، يمكن أن يكون له تأثير كبير على مستقبل العملات الرقمية، مما يوفر بيئة آمنة يمكن أن تنمو وتزدهر فيها.。
الخطوة التالية