لا شك أن كوريا الشمالية هي واحدة من أكثر الدول غموضًا في العالم، ويُعرف نظامها السياسي بنهج صارم في جميع مجالات الحياة. لكن في السنوات الأخيرة، اكتسبت قصصها في استخدام العملات المشفرة اهتمامًا عالميًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بغسل الأموال وسرقة الملايين من خلال التقنيات الحديثة. تظهر دراسات متعمقة، مثل تلك التي نشرتها مجلة MIT Technology Review، كيف تمكنت كوريا الشمالية من الانغماس في عالم العملات المشفرة، واستغلال هذه التقنيات الحديثة لتمويل نظامها الاقتصادي المتعثر. يشمل الأمر استخدام مجموعة متنوعة من الحيل والتقنيات المتطورة في سبيل تحقيق أهدافها الاقتصادية. من المعروف أن كوريا الشمالية تعاني من العقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة عليها بسبب برامجها النووية والسلوكيات العدوانية. لكن بدلاً من الاستسلام، انتقلت بيونغ يانغ إلى استخدام العملات المشفرة كوسيلة لتمويل أنشطتها غير المشروعة. العملات المشفرة، ومعظمها تعتمد على تقنية البلوكشين، تتيح مستوى عالٍ من عدم الكشف عن الهوية، مما يجعلها جذابة لنظام كهذا. واحدة من الأساليب الرئيسية التي تعتمدها كوريا الشمالية هي الهجمات الإلكترونية. فقد نفذت سلسلة من الهجمات على منصات تداول العملات المشفرة، موجهةً إليها كأهداف لتحقيق سرقات ضخمة. قد يبدو الأمر معقدًا، ولكن الفاعلين الذين يقفون وراء هذه الهجمات يسعون إلى استغلال أي ثغرة أمنية في البرمجيات أو الأنظمة. من خلال اختراق هذه المنصات، يمكنهم تحويل الأموال إلى محفظات مشفرة خاصة بهم، مما يصعب تتبع الأموال المسروقة. علاوة على ذلك، تركز كوريا الشمالية على تحويل العملات المسروقة إلى أموال يمكن استخدامها بشكل مشروع. تعتمد هذه العملية على شبكة معقدة من الوسطاء والمستثمرين الذين يتصرفون كواجهة، مما يجعل من الصعب على السلطات الدولية تعقب الأموال. يُعرف هذا النظام بكونه شبكة من المشترين والبائعين الذين يتبادلون العملات بطريقة سرية، تعتمد على المجهولية التي توفرها العملات المشفرة. تتجاوز الأنشطة السيدية لكوريا الشمالية مجرد الهجمات الإلكترونية البسيطة. هناك أيضًا تقارير عن أنشطة غسيل أموال معقدة تشمل استخدام مجموعة متنوعة من العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثيريوم. حيث يتم تحويل العملات المسروقة إلى عملات أخرى، وفي حالة مريب، يتم استخدام خدمات تُعرف باسم "تعليمات خلط" لتفكيك دفعات كبيرة وإعادة تجميعها، مما يزيد من صعوبة التتبع من قِبل السلطات. ويتضح من خلال هذه الأنشطة أن كوريا الشمالية لا تعتمد فقط على هجماتها الإلكترونية، بل تستخدم أيضًا معلومات من مصادر ثانية بالإضافة إلى نصائح حول كيفية إرسال الأموال بأمان عبر الحدود دون اكتشافها. ولتسهيل هذا، تعمل الدولة بشكل وثيق مع مجموعة متنوعة من المجموعات الإجرامية التي يمكنها تقديم الدعم والاستشارة. الجدير بالذكر أن وكالات الاستخبارات العالمية تدرك خطورة هذا الأمر. فقد قامت عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بتعزيز الجهود لمراقبة الأنشطة المالية المشبوهة التي تنطوي على العملات المشفرة. لكن التحدي في تعقب هذه الأموال قد لا يكون سهلاً، حيث يتطلب التعاون الدولي لمواجهة هذه التحديات. إن استخدام كوريا الشمالية للعملات المشفرة يشدد على أهمية تطوير تشريعات وسياسات لمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة في مجال المال الرقمي. يجب أن تتعاون الدول معًا لتعزيز الأمان السيبراني، وتبادل المعلومات حول الأنشطة المشتبه فيها، وكذلك تحسين أدوات التعقب والتحليل المالي. في النهاية، يمكن القول إن كوريا الشمالية قد وجدت في العملات المشفرة سبيلاً للبقاء والتمويل في عالم مليء بالعقوبات والضغوط الاقتصادية. إن استخدام تقنيات غسل الأموال المتطورة والابتكارات الرقمية يمثّل تحديًا كبيرًا للجهات الرقابية على المستوى العالمي، ويستدعي الأمر استجابة منسقة بين الدول لكبح هذا التوجه. إن القصة لم تنته بعد، بل إنها مجرد بداية لعالمٍ جديد قد يغيّر الطريقة التي نفهم بها الاقتصاد والسيطرة المالية في المستقبل.。
الخطوة التالية