يعتبر بروتوكول إثبات العمل (PoW) أحد أبرز آليات الإجماع المستخدمة في الشبكات البلوكتشين، مثل شبكة البيتكوين. وقد تم تطوير هذا النظام لتحقيق الأمان والتحقق من صحة المعاملات، لكنه يواجه انتقادات شديدة بسبب استهلاكه الكبير للطاقة. في هذا المقال، سنستعرض كيف يعمل بروتوكول إثبات العمل، ولماذا يعد استهلاك الطاقة مرتفعًا، وما هي البدائل والحلول الممكنة. يعمل بروتوكول إثبات العمل على مبدأ يتطلب من المشاركين في الشبكة، المعروفين باسم المعدنين، المنافسة لحل مسائل رياضية معقدة. تتطلب هذه العملية قوة حسابية كبيرة، حيث يقوم المعدنون بالبحث عن قيمة عشوائية تعرف باسم "nonce"، والتي عند دمجها مع بيانات الكتل الحالية، تُولِّد قيمة تُحقق الهدف المطلوب من التخزين. تتم زيادة صعوبة هذه العمليات بشكل دوري لضمان أن يستغرق توليد كل كتلة جديدة وقتًا ثابتًا. والمعادن الأول الذي يتمكن من العثور على النتيجة الصحيحة ينشر الكتلة، ويحصل على مكافأة، مما يخلق دافعًا ماليًا للمشاركة في الشبكة. لكن لماذا يُعتبر بروتوكول إثبات العمل مُستهلكًا للطاقة؟ تكمن الإجابة في شدة العمليات الحسابية اللازمة في هذه العملية. كلما زاد عدد المعدنين في الشبكة، زادت حدة المنافسة وصعوبة حل المسائل، ما يتطلب زيادة في الموارد المستخدمة لدعم الشبكة. وفقًا لبعض التقديرات، يُقارب استهلاك الطاقة السنوي للبيتكوين استهلاك طاقة دول متوسطة الحجم مثل الأرجنتين أو النرويج. تزيد هذه الأنشطة من انبعاثات الكربون، خاصة عندما تُستخدم مصادر الطاقة الأحفورية مثل الفحم أو الغاز الطبيعي. تتجه الأنظار حاليًا إلى بدائل بروتوكول إثبات العمل. أحد البدائل الرئيسية هو بروتوكول إثبات الحصة (PoS)، الذي يعتمد على مفهوم "الاستثمار" بدلاً من حل المسائل الرياضية. بموجب هذا النظام، يتعين على المشاركين، الذين يُطلق عليهم اسم "الموثوقين"، تجميد كمية معينة من العملات الخاصة بهم لإثبات رسالتهم بشكل قانوني. تعتمد احتمالية اختيارهم لإنشاء كتلة جديدة على مقدار العملات المُجمّعة ومدة وقت تجميدها. يُعتبر نظام إثبات الحصة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، حيث لا يتطلب تعدين مكثف ويقلل من خطر التفرد. ومع ذلك، لا يُعتبر بروتوكول إثبات العمل هو الحل الوحيد، كما توجد نماذج هجينة مثل PoW/PoS أو PoW/PoA، التي تهدف إلى دمج مزايا كل من النظامين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تسهم الحلول مثل الشبكات الثانية (مثل شبكة Lightning أو Plasma) في تقليل الضغط على شبكة البلوكتشين الرئيسية. ورغم الضغوط المتزايدة من جهة المجتمع الدولي لتقليل انبعاثات الكربون، لا يزال العديد من الأشخاص يدافعون عن نظام إثبات العمل، مشيرين إلى أن النفقات البيئية يجب أن تُعاد إلى الطاقة والقيمة التي يخلقها. يعتقد بعض المدافعين أن مكافآت البيتكوين تحفز البحث عن مصادر الطاقة الأكثر كفاءة، بل وتشجيع استغلال مصادر الطاقة المهدرة مثل الغاز الناتج عن حرق الغاز. مع الأخذ في الاعتبار هذه الآراء، يُظهر النقاش حول الطاقة التي يستهلكها بروتوكول إثبات العمل أنه يتعدى مجرد قضية فنية. فهو يعتمد على الماضي والمستقبل الممكن للبلوكتشين ككل. إذا كان هناك اعتراف بأن هذه الأنظمة لتحقيق اللامركزية يمكن أن تأتي بتكاليف بيئية، فإن البحث عن حلول بديلة فعالة يعد خطوة حاسمة للقدرة على دمج تقنيات البلوكتشين بشكل أفضل في العالم المستدام. عند التطرق إلى هذا الموضوع، يجب أيضاً الاعتناء بالتأكيد على المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية المرتبطة باستخدام بروتوكول إثبات العمل. إذ يؤثر استهلاك الطاقة على السمعة العامة للتقنيات البلوكتشين وقدرتها على التحول في النطاق التجاري والاقتصادي. في الوقت الذي يبدأ فيه العالم بالتوجه نحو الأهداف المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، يصبح من الأهمية التركيز على التفاعل بين تكنولوجيا البلوكتشين والطاقة والبيئة. الختام، إن بروتوكول إثبات العمل قد جلب الكثير من الابتكار والأفكار الجريئة حول الاقتصاد الرقمي، لكنه في نفس الوقت يجب أن يكون جزءًا من حوار أكبر حول كيفية استدامة التكنولوجيا وتقليل أثرها البيئي. في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها كوكبنا، يبقى السؤال: كيف يمكننا استخدام هذه الابتكارات بشكل يحترم البيئة ويحقق الرؤية العالمية لمستقبل أفضل للجميع؟ إن البحث عن تحول حقيقي في هذا الصدد يبدأ الآن، ويتطلب التعاون بين الجميع لتحقيق أهداف مستدامة.。
الخطوة التالية