تُعتبر عملة وورلدكوين (Worldcoin) واحدة من المشاريع الأكثر جدلًا في عالم العملات المشفرة، حيث أُسست برؤية طموحة تهدف إلى توظيف الذكاء الاصطناعي وتقنية البيومتريكس لخلق منصة تتيح التحقق من الهوية الرقيمة. تم إطلاق العملة رسميًا في 24 يوليو 2023، وقد أثارت تفاعلات متعددة من المستثمرين والهيئات التنظيمية، وسط مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمان. تتمحور فكرة وورلدكوين حول إنشاء جواز سفر رقمي يُعرف باسم "World ID"، والذي يعتمد على تصوير قزحية العين للتحقق من هوية المستخدمين. تم تأسيس هذه العملة من قبل سام التمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI التي ابتكرت ChatGPT، وذلك بهدف معالجة التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة من خلال توفير وسيلة موثوقة للتحقق من الأشخاص على الإنترنت، سواء كانوا بشراً حقيقيين أو أنظمة ذكاء اصطناعي. تستخدم وورلدكوين جهاز تصوير بيومتري يُعرف باسم "Orb" لمسح قزحية العين، وهو يخلق رمز تعريف فريد يُسمى "IrisCode". يُعتبر نمط قزحية العين فريدًا لكل فرد، مشابهًا لبصمات الأصابع. تدعي وورلدكوين أنها تحذف صور قزحية العين بعد استخدامها، وأنه لا يُحتاج إلى تصوير العين مرات أخرى للتحقق من الهوية. يتضمن مشروع وورلدكوين أيضًا "محفظة وورلد أب" التي تُستخدم لتخزين رموز WLD، مما يجعل من السهل للمستخدمين التحقق من هويتهم عبر تطبيقات الطرف الثالث. بحلول اللحظة الراهنة، تم توزيع حوالي 2 مليون رمز WLD ضمن برنامج بيتا، ويُخطط لرفع العدد إلى 10 مليارات رمز على مدار 15 عاماً. أحد الأهداف الرئيسية لمؤسسي وورلدكوين، هو استغلال الفرص الاقتصادية الناتجة عن انتشار وتطور الذكاء الاصطناعي. ومن بين الأفكار المطروحة، استخدام World ID لتقليل الغش عند توزيع دخل أساسي عالمي، وهو مفهوم يشهد اهتمامًا متزايدًا على مستوى العالم. ومع ذلك، تثير ولادة وورلدكوين جدلاً كبيرًا. فقد أعرب النقاد عن مخاوفهم بشأن أمان جمع البيانات البيومترية، حيث يُعتبر بعض الخبراء أن جمع معلومات من قزحية العين يُشكل خطرًا على الخصوصية. بالإضافة إلى ذلك، هناك تساؤلات حول كيفية توزيع رموز WLD، وهو أمر لم يُفسر بشكل كافٍ حتى الآن، مما يزيد من المخاوف المتعلقة بالتنظيمات اللاحقة. على الرغم من أن وورلدكوين تُسجل نجاحات أولية في أعمالها، إلا أن موقفها في الولايات المتحدة يُعتبر غامضاً. حاليًا، يُمنع المواطنون الأمريكيون من استخدام أو شراء أو الوصول إلى رموز WLD، وهي خطوة تتماشى مع الاتجاهات التنظيمية المتزايدة في الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، أُدخل قانون جديد يهدف إلى إنشاء إشراف تنظيمي واضح لصناعة العملات المشفرة في الولايات المتحدة. بينما يستمر النقد والتساؤلات حول مشروع وورلدكوين، يبقى هناك أمل في أن يُسهم المشروع في تقديم حلول جديدة ومبتكرة للتحديات التي يواجهها مجتمع اليوم. وسمح انفتاح مطوري العملة على الحوار والنقاش مع المجتمع التقني والنقدي، بإحداث مساحة للتفكير حول كيف يمكن أن تساهم تقنية العملات الرقمية في تحسين أنظمة التحقق من الهوية والحفاظ على الخصوصية. في ظل هذه القضية المثيرة للجدل، يتوقع أن يُستمر النقاش حول إمكانية وطبيعة تأثير وورلدكوين على السوق ككل، وكيف ستُعامل المنظمات التنظيمية هذه العملة في المستقبل. من المهم أن تبقى هذه النقاشات مستمرة، حتى لا يقتصر تداول العملات الرقمية على المشاريع الشهيرة فقط، ولكن أيضًا يتضمن إسهامات جديدة تراعي مخاوف المجتمع وتطلعاته. تتمتع وورلدكوين بدعم مجموعة قوية من المؤسسين والمستثمرين، ما يُمكن أن يساهم في تعزيز مكانتها في السوق على الرغم من التحديات التي تواجهها. ومع استمرار النقاش حول القضايا الأخلاقية والقانونية المحيطة بجمع البيانات البيومترية، تبقى هناك حاجة ملحة لفهم الحدود التي يمكن أن تصل إليها هذه التكنولوجيا دون التأثير على حقوق الأفراد. في الختام، تُشير التجارب الأولية لمشروع وورلدكوين إلى إمكانية تحقيق ثورة في طريقة تعاملنا مع الهوية الرقمية، ولكن الطريق نحو تنضيج هذا المشروع ينطوي على عدة عقبات واعتبارات قانونية وأخلاقية. سيتطلب الأمر وقتًا ومجهودًا للتأكد من أن هذا الابتكار يُحقق الفائدة المرجوة دون المساس بالحقوق الأساسية للأفراد بأي شكل من الأشكال، مما يضمن أمانًا واستدامة لتقنية العملات المشفرة في المستقبل.。
الخطوة التالية