في مشهد غير تقليدي في السياسة الأمريكية، أصبح المستثمرون في عالم العملات الرقمية يراهنون بملايين الدولارات على أن استطلاعات الرأي تخطئ في تقدير فرص الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة. هذه الظاهرة الجديدة تقلب الطاولة على استطلاعات الرأي التقليدية، وتثير التساؤلات حول مصداقية هذه الاستطلاعات وقدرة الأسواق التنبؤية على تقديم معلومات أكثر دقة. يُظهر تحليل جديد من منصة "بوليماركت" (Polymarket) المتخصصة في التنبؤات، أن ترامب لديه فرصة تقدر بحوالي 47% للفوز في الانتخابات المقبلة، لكن قد تتباين هذه النسب بشكل كبير بناءً على الظروف السياسية والاجتماعية. على سبيل المثال، في منتصف يوليو، بعد حادثة مثيرة في أحد تجمعاته، ارتفعت نسبه إلى 72%، مما يعكس تقلبات سريعة في ثقة المستخدمين. تلعب عقود التنبؤ في مواقع مثل بوليماركت دوراً محورياً هنا؛ حيث يشترط على المستثمِرين وضع أموالهم في bets تعتمد على مخرجات الأحداث العالمية، مثل فوز ترامب أو هاريس. يتداول المستخدمون بمبالغ ضخمة، حيث تم وضع أكثر من 160 مليون دولار على فوز ترامب. في إحدى الحالات، قام جاني ثري بمراهنة قدرها 2.5 مليون دولار. تعيش هذه الأسواق الافتراضية لحظات حماسية، حيث تتغير الأسعار في الوقت الحقيقي. فعلى سبيل المثال، بعد محاولة اغتيال ترامب، انطلقت نسبة احتمال فوزه بسرعة، بينما تراجعت تلك النسبة عندما أدلى بتصريحات مثيرة للجدل حول المهاجرين خلال مناظرة مع كامالا هاريس. هذا التعاقب السريع للأحداث يعكس كيف أن المراهنين يعتمدون بشكل كبير على الأحداث الجارية للتعبير عن آمالهم أو مخاوفهم. من خلال مقارنة الأرقام في بوليماركت مع استطلاعات الرأي التقليدية، يتضح أن المراهنين يعتقدون أن فرص ترامب مبالغ فيها. بينما تُظهر بعض استطلاعات الرأي تقدماً تبلغ نسبته 5 نقاط لصالح هاريس، يُظهر المراهنون مصداقية أكبر في تقديراتهم. هذا يعيد تصنيف الدور التقليدي لاستطلاعات الرأي، معبرةً عن فكرة أن المراهنين أكثر تفاعلاً مع الواقع السياسي. يشير المراقبون إلى أن استراتيجيات التصويت في هذه المواقع تتجاوز التنبؤات السياسية. فهم يسيرون في اتجاه مشابه للأسواق المالية، إذ يمكن أن تستخدم هذه المنصات لقياس "الذكاء الجماعي" أو الحكمة الجماعية من خلال مراقبة ما يراهن عليه الناس. فكرة أن الأشخاص لن يراهنوا على شيء لا يعتقدون بأنه قد يحدث يُعزز من مصداقية هذه الأسواق. لكن، رغم ذلك، هناك مخاوف من احتمال وجود تلاعب في هذه الأسواق. يمكن أن يقوم حملة المرشحين بترتيب عمليات مراهنة كبيرة لخلق انطباع زائف عن الزخم. وفي أحد الأمثلة، تم رصد تحركات مالية ترتفع فيها فرصة فوز هاريس بشكل غير معتاد، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هناك محاولات منظمة لتعزيز موقف معين. تعتبر الأساليب التي يتبناها بوليماركت وطرائقهما في التفاعل مع الأحداث الحالية مثيرة للاهتمام، ولكنها تظل ضمن منطقة رمادية قانونياً. تموت خطوط الجبهة لدى شركات مثل بوليماركت في مواجهة القوانين المعقدة في الولايات المتحدة، حيث قررت الشركة البقاء في الخارج، بعيدة عن الأضواء التي تسلطها السلطات الأمريكية. تتعدد الآراء حول كيفية تأثير هذه التنبؤات على المجتمع ككل. البعض يرى فيها وسيلة لتحقيق نوع من الديمقراطية المباشرة، حيث يمكن للناس أن يشاركوا بآرائهم من خلال المراهنات، بينما يخشى آخرون من أن تكون هذه الأسواق قادرة على التأثير سلباً على ثقة الجمهور في العملية الانتخابية. فالآثار المحتملة على نزاهة الانتخابات ومصداقية التنبؤات تبقى مصدر قلق كبير. إذا اعتُبرنا أن الأسواق قد تمكنت بالفعل من التنبؤ بالفوز المحتمل لترامب، فإن هذا يعني أنه سيحصل على انتباه أكبر من المشاركين. ولكن مع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي قد تواجهها هذه الأسواق، بما في ذلك الانتهاكات المحتملة ووجود معلومات داخلية قد تؤثر على النتائج. في نهاية المطاف، تبقى الانتخابات الأمريكية بمثابة اختبار حقيقي للقدرة على التنبؤ. بينما يقوم الرهانات الكبيرة المرتبطة بالعملات الرقمية بإعادة تشكيل مسارات النقاش السياسي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ترسم هذه الأسواق المستقبل أم أنها مجرد ضوضاء لا تعكس الواقع؟ بينما نتجه نحو الانتخابات، ستتضح معالم الإجابة، وقد يتعين على المشاركين والمراقبين على حد سواء تعديل استراتيجياتهم بناءً على النتائج الحقيقية.。
الخطوة التالية