في خطوة جريئة لم يشهدها عالم العملات الرقمية من قبل، أصر رئيس جمهورية السلفادور، نايب بوكيلي، على دعمه لقانون بيتكوين، بالرغم من النتائج المتباينة التي شهدتها البلاد منذ اعتماد تلك العملة كوسيلة قانونية للتداول. منذ أن اتخذت السلفادور هذا القرار في سبتمبر 2021، انطلقت البلاد في مغامرة غير مسبوقة تهدف إلى إدخال الاقتصاد الرقمي وتعزيز الاستقلالية المالية بعيدًا عن الدولار الأمريكي. على الرغم من الطموحات الكبيرة التي تعلقها الحكومة على هذا القرار، إلا أن النتائج لم تكن متطابقة مع الآمال. فعلى الرغم من جذب انتباه العالم، إلا أن معدلات استخدام بيتكوين بين السكان المحليين كانت أقل بكثير مما توقعه بوليتي. ففي أحد التصريحات، أشار بوكيلي إلى أن نسبة أقل من 12% من المواطنين قد أقدموا على استخدام البيتكوين في أي معاملة، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه السياسة. ومع ذلك، يواصل بوكيلي التأكيد على أن تجربة بيتكوين قد ساهمت في تحسين صورة السلفادور على المستوى الدولي. فقد جلبت هذه الخطوة تسليط الضوء على البلاد باعتبارها رائدة في مجال الابتكارات المالية الرقمية، مما أسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة حركة السياحة. وعليه، فإن السلفادور قد أصبحت مركزًا للعديد من الشركات التي تتعامل في مجال بيتكوين، الأمر الذي يعكس تحولًا إيجابيًا في التعريف عن البلاد في الساحة الاقتصادية العالمية. رغم التحديات، مثل التعقيدات التقنية وحالة الشك لدى المواطنين، يرى بوكيلي أن هناك فائدة مستقبلية كبيرة. فعلى سبيل المثال، الحكومة قد خصصت ميزانية مقدارها 75 مليون دولار لتوزيع بيتكوين على المواطنين من خلال محفظة "شيفو". ومع أن هذا المبلغ حفز الناس في البداية، إلا أن معظمهم لم يواصلوا استخدام العملة بعد إنفاق المكافأة. ومع ذلك، يعتبر بوكيلي أن استخدام البيتكوين يظل اختياريًا، حيث يُمكن للمواطنين اختيار ما إذا كانوا يرغبون في استخدامه أم لا. تسعى السلفادور إلى استخدام البيتكوين لتوفير خدمات مالية للشرائح غير المتعاملة مع البنوك، وتخفيف تكاليف التحويلات المالية، التي تُعتبر عنصرًا محوريًا في اقتصاد البلاد. حيث جاء التفكير في اعتماد بيتكوين، بشكل خاص عبر شبكة "لايتنينغ" لتسهيل المعاملات الأسرع والأقل تكلفة في بلد يتسم فيه البنية التحتية المصرفية بالضعف. ولكن مع فشل الانتشار الواسع للاستخدام اليومي، قد تثار تساؤلات حول جدوى هذه الاستراتيجية. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال هناك شعور عام من skepticism بين المواطنين، الذين يفضل معظمهم النظام المالي التقليدي. ومن بين التحديات التي واجهت تجربة توزيع البيتكوين، كانت الأخطاء الفنية في تطبيق "شيفو" التي كبدت الكثير من المستخدمين إحباطًا لا يمكن تجاهله. فما زال الكثيرون يتخوفون من عدم استقرار سعر البيتكوين، الذي شهد تقلبات شديدة في القيمة، مما يجعل الاستثمار فيه بمثابة مقامرة بالنسبة للكثيرين. رغم جميع هذه الصعوبات، فإن بوكيلي يبدي تفاؤلاً كبيراً بشأن مستقبل بيتكوين في السلفادور. حيث يتوقع أن يعود بالنفع على الاقتصاد مع تزايد تقبل العالم للعملات الرقمية. وقد خططت الحكومة لاستثمار كبير في هذا المجال، بما في ذلك إنشاء منجم للبيتكوين يعتمد على الطاقة البركانية. ويعتبر هذا المشروع دلالة على الإصرار الوطني على جعل السلفادور نقطة محورية في عالم العملات الرقمية. ومع التوجه العالمي نحو العملات الرقمية وزيادة الاعتماد عليها، يعتقد بوكيلي أن المستقبل يحمل فرصًا أكبر للسلفادور كداعم رئيسي للابتكارات المالية. في المقابل، يبقى التساؤل قائمًا: هل ستحقق السلفادور الأهداف المرجوة من مشروعها الطموح في التحول الرقمي؟ وفي أي مدى يمكن أن تكون التجربة السلفادورية نموذجًا يُحتذى به لدول أخرى تسعى لاستخدام البيتكوين كأداة اقتصادية؟ لعل تجربة السلفادور تعكس المزيج من الآمال والإحباطات التي تصاحب أي تحول جذري في السياسة المالية. فبينما يسعى بوكيلي إلى إبقاء الروح المعنوية عالية، تبقى النتائج النهائية لانتشار البيتكوين مفتوحة للتفسير، مع توقعات متفاوتة تتعلق بتأثير هذا التحول على المدى الطويل. إن دعم بوكيلي لقانون بيتكوين يُعتبر تعبيراً عن الإيمان الراسخ بفوائد الاقتصاد الرقمي، لكنها أيضًا تتطلب من الجميع — من الحكومة إلى المواطنين — العمل على تعزيز الفهم والتقبل للتكنولوجيا المالية الجديدة. في نهاية المطاف، يبقى النجاح مرتبطًا بالتوازن بين الابتكار والاستقرار، وهو ما يمكن أن يجعل رحلة السلفادور نحو التحول الرقمي قصة ملهمة في سجل تاريخ العملات الرقمية. ما بين تأكيدات بوكيلي وتطلعات المواطنين، تبقى السلفادور تحت المجهر العالم، وكل خطوة جديدة قد تكون منطلقًا لتحقيق إنجازات أكبر أو قد تكون درسا يُتعلم منه. إن استخدام بيتكوين كأداة مالية ليس فقط تجربة اقتصادية بل أيضًا اختبار للقدرة على التأقلم والتكيف مع التحولات السريعة في عالم المال.。
الخطوة التالية