في خطوة مبتكرة تعكس التقدم التكنولوجي في عالم المال ولتسهيل العمليات التجارية، أعلنت شركة "جي بي مورغان" عن استخدام نظامها القائم على تقنية البلوكتشين "أونيكس" في تسوية سندات تجارية رقمية لشركة "سيمنز" الألمانية. لقد جاءت هذه المبادرة في الوقت الذي تسعى فيه الشركات الكبرى إلى دمج التكنولوجيا الرقمية في عملياتها المالية لتعزيز الكفاءة والموثوقية. تُعتبر تقنية البلوكتشين واحدة من أكثر الابتكارات إثارة في العقود الأخيرة، حيث تتيح للجهات الفاعلة في السوق إمكانية إجراء المعاملات بطريقة آمنة وشفافة. ومما لا شك فيه، أن استخدام "جي بي مورغان" لنظام "أونيكس" يعكس التزام البنك بتطوير حلول مبتكرة في عالم العملات الرقمية والتداول الرقمي، حيث يستفيد من الخبرة الواسعة التي يمتلكها في هذا المجال. تم الإعلان عن هذه الصفقة في 23 سبتمبر 2024، وأكدت "سيمنز" أنها قامت بإصدار سندات تجارية رقمية بلغت قيمتها 100,000 يورو، وفقاً لقانون الأوراق المالية الإلكترونية الألمانية. تم إصدار هذه السندات في 13 سبتمبر، وتمت تسويتها بعد ثلاثة أيام فقط، ما يُظهر السرعة الفائقة التي تقدمها هذه التقنية الجديدة. جرت عملية الدفع عبر شبكة "أونيكس" باستخدام نظام "JPM Coin"، والذي يُعتبر تطوراً هاماً في نظام المدفوعات الرقمي. وقد تم تنفيذ عمليات نقل الأصول على شبكة "SWIAT" والتي تستخدم آلية "التسليم مقابل الدفع" (DvP)، الأمر الذي يضمن أن تبادل الأصول والمدفوعات يحدث بصورة متزامنة وآمنة. إحدى المزايا البارزة لهذه المعاملات هي السرعة المذهلة. فعلى الرغم من تعقيد العملية، استغرقت التسوية 93 ثانية فقط من لحظة تأكيد الصفقة على شبكة "SWIAT" حتى تأكيد التسوية النهائي. تجدر الإشارة هنا إلى أن "DekaBank" قد شاركت أيضاً في هذه العملية بوصفها سجلاً للأوراق المالية الرقمية على شبكة "SWIAT". هذه الخطوة تُمثّل بداية تعاون ملحوظ بين "جي بي مورغان" و"SWIAT" لتطوير منتجات جديدة لإصدار الأصول على منصات البلوكتشين، وتهدف هذه الشراكة إلى تقصير سلاسل القيمة، مما يعزز مرونة المعاملات وسرعتها. وبحسب التصريحات الرسمية، فإن الهدف النهائي هو جعل المعاملات المالية عبر سلاسل الكتل قابلة للتوسع بالنسبة للبنوك التجارية. تُعتبر عملية توكين الاستثمارات المالية التقليدية، أو ما يُعرف بالأصول الحقيقية (RWA)، مجالاً سريع النمو في تقنية البلوكتشين. وقد أظهرت البنوك الكبرى على مدار السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً في هذا المجال، حيث واصلت "جي بي مورغان" تقديم القيادات والتوجهات في هذا السياق من خلال وحدة "أونيكس" والتكنولوجيا القابلة للتعامل عبر الـ "JPM Coin". حيث تُمثل المعاملات التي تتم عبر الـ "JPM Coin" تطوراً ملحوظاً، حيث أفاد "عمار فاروق"، الذي كان سابقاً رئيس "أونيكس" ويمتلك حالياً منصباً قيادياً في قسم المدفوعات، بأن المعاملات قد «انفجرت» بعد إدخال قابليتها للبرمجة، مما أدى إلى زيادة حجم المعاملات إلى عدة مليارات من الدولارات في بعض الأيام. ولا يمكننا إغفال تصريحات "جايمي ديمون"، الرئيس التنفيذي لـ "جي بي مورغان"، الذي وصف البنك بأنه واحد من أكبر مستخدمي تقنية البلوكتشين في العالم. وعلى الرغم من ذلك، أعرب ديمون عن رأيه بأنه يعتبر هذه التقنية ما هي إلا قاعدة بيانات، وعبّر عن مواقفه النقدية تجاه العملات الرقمية، حيث وصفها بأنها "حصاة أليفة"، مُشيرًا إلى عدم تفاؤله بها كبديل للمال التقليدي. يعتبر خبر استخدام "أونيكس" في عملية إصدار السندات التجارية الرقمية علامة فارقة في استخدام تقنيات البلوكتشين من قبل المؤسسات المالية الكبرى. إذ يعكس ذلك التركيز المتزايد من قبل هذه المؤسسات على استخدام التطورات التكنولوجية لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف، مما يؤدي إلى تحول مشهد التمويل التقليدي إلى نموذج أكثر حداثة وفعالية. مع تقدم هذه التقنية وانتشارها في الأسواق العالمية، سيتعين على البنوك والشركات الاستثمارية التفكير بشكل أعمق بكيفية دمجها في استراتيجياتها المالية. وسيكون من الضروري تكامل نظم المعلومات القديمة مع الضوابط والمعايير الجديدة التي تتيحها هذه التقنية، الأمر الذي قد يشكل تحدياً كبيراً لبعض المؤسسات. في ضوء هذه التطورات، يمكن أن نتوقع زيادة في التعاون بين البنوك الكبرى ومقدمي خدمات البلوكتشين بصفة عامة. فصناعة الخدمات المالية تتجه منذ جانب إلى تجاه جديد يتمحور حول الابتكار والتكنولوجيا. وفي النهاية، تُظهر هذه التطورات كيف أن السوق المالية العالمية تشهد تحولاً جذرياً نحو الرقمية، حيث تُعدُّ خطوة "جي بي مورغان" في إطار استخدام "أونيكس" لتسهيل عملية إصدار السندات التجارية بمثابة مؤشر واضح على المستقبل الذي يُنتظر أن يكون فيه الابتكار والتكنولوجيا في صلب عالم المال. سيتطلب النجاح في هذا المشهد الجديد الفهم الجيد للتكنولوجيا وحسن استخدامها لخدمة المصالح التجارية في عالم يتطور بسرعة.。
الخطوة التالية