تأكيد: ما هي مهمتك؟ في حياة المسيحيين، يعتبر سر التأكيد من أسرار الطقس المقدس الذي يمنح الأفراد القوة والقدرة على الشهادة لعقيدتهم. يُعتبر هذا السر تجديداً للعهد الذي تم في المعمودية، حيث يُدخل المؤمن في عمق العيش المسيحي ويعزز العلاقة الشخصية مع الله. لكن ما هي حقاً مهمة هذا السر؟ وكيف يمكن أن يُعبر الشباب عن إيمانهم أمام تحديات العصر الحديث؟ سر التأكيد، أو كما يُعرف بمسحة الروح القدس، يُعتبر من الأسرار الثلاثة الأساسية التي تشكل مسار حياة المسيحي. عندما يُعطى هذا السر، يُدعم الفرد بالروح القدس الذي يُعزز القوة والإيمان. يقول القديس بطرس: "أنتم جنس مختار، كهنوت ملوكي، أُمة مقدسة" (1 بطرس 2:9). يدعو هذا النص المؤمنين إلى الاعتراف بدورهم ككهنة وملوك أمام الله. تاريخياً، يعود سر التأكيد إلى طقوس العهد القديم، حيث كان النبيّ يسوع يُمسح بالزيت ليُعلن ملكه ونبوته. وقد أُعطى التقدير للسر في الكنيسة منذ العصور المبكرة، حيث تم فيه مسحة الأطفال الذين تم تعميدهم عندما كانوا صغاراً في الإيمان. وفي هذا السياق، يُعتبر التأكيد بمثابة توجيه لمؤمني اليوم للعيش وفقاً لما تم تعميدهم به. عندما يتلقى الأفراد سر التأكيد، يُكلفون بمهمة معينة. يجب عليهم أن يصبحوا شهوداً لإيمانهم، وأن يعلنوا اسم المسيح في كل الأمور. هذا يُعني أن تُحافظ على القيم المسيحية في الحياة اليومية، وأن تكون نمطاً يُحتذى به للآخرين. يستدعي هذا العمل ليس فقط اقتراباً منهجياً، ولكن أيضاً نية صادقة للمشاركة في خدمة الآخرين، كما فعل القديسون على مر العصور. في المجتمعات الحديثة، يتعرض الشباب تحديات جديدة. قد يجدون أن إيمانهم يُواجه ضغوطات من الثقافات السائدة، أو يؤثر عليهم الشك من حولهم. لذلك، تأكيد الإيمان يصبح أكثر ضرورة. من خلال تلقيهم سر التأكيد، يحصل الشباب على القوة اللازمة لمواجهة تلك التحديات، ويكتسبون الجرأة للحديث عن إيمانهم باحترام وقوة. التأكيد ليس نهاية التعليم الديني، بل هو في الواقع بداية استكشاف أعمق لمفاهيم الإيمان. يُشجع الشباب بعد التأكيد على البحث عن الحقائق الإيمانية، وأن يصبحوا نشطاء في مجتمع الكنيسة. هذا يتضمن التفاعل مع النشاطات الكنائسية، والمشاركة في الخدمات الاجتماعية، والانضمام إلى مجموعات الدراسة اللاهوتية. يُعتبر حرية الإيمان الاختيارية إحدى أهم القيم التي يُغرسها سر التأكيد. إن التزام الأفراد بالإيمان المسيحي لا يكون بسبب الضغوط أو التقاليد، بل يجب أن يتم بناءً على قناعة شخصية. يتحمل كل مؤمن مسؤولية اتخاذ قراراته الخاصة، ويجب أن تُمَكّنهم مسحة الروح القدس من ذلك. تكمن مهمة المؤمنين بعد التأكيد في تفعيل الهبة الإلهية التي حصلوا عليها. ينبغي عليهم استخدام مواهبهم لمساعدة الآخرين والشهادة للعالم بما فعلته محبة المسيح في حياتهم. قد يكون هذا من خلال الأعمال الخيرية، أو مجرد تقديم الدعم والتشجيع للآخرين في المجتمع. ويشدد التعليم على أهمية الالتزام والمثابرة. يتحدث القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية: "لذلك أطلب إليكم أيها الإخوة، من أجل رحمة الله، أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله" (رومية 12:1). هذا يُعتبر دعوة للمؤمنين للعيش بروح الإيثار والبذل. وبينما يعتبر سر التأكيد حدثًا شخصيًا، إلا أنه يحدث أيضاً في سياق جماعي. يُعد الاحتفال بالتأكيد جسراً يُقرب المؤمنين من بعضهم البعض. يُجمع الأهل والأصدقاء والكنيسة بأكملها للاحتفال بمشاركة هؤلاء الشباب في إيمانهم. إن تعزيز العلاقات الاجتماعية يُعزز الشعور بالانتماء ويعكس كيف يمكن للمؤمنين دعم بعضهم البعض في رحلة الإيمان. وبغض النظر عن العمر، يبقى سر التأكيد مفتوحاً للجميع. يُمكن أن يتلقى حتى الأفراد الذين يُعتنقون الإيمان حديثاً التأكيد إذا كانوا قد تعمّدوا. وهذا يشير إلى أن الإيمان ليس مقتصراً على فئة معينة، بل هو دعوة لكل من يسعى إلى معرفة المسيح والتبعية له. في نهاية المطاف، فإن التأكيد هو أكثر من مجرد طقس ديني. إنه دعوة للنمو الروحي، لتعزيز الإيمان، ولتجديد الالتزام في الحياة اليومية. إن روح التأكيد تحث المؤمنين على التشارك والتعلم والنمو معاً في مواكبة دعوة المسيح. يجب أن يتذكر الجميع أن التأكيد ليس مجرد إجراء إداري، بل هو نعمة حقيقية تُضفي الحياة والعزم على الذين يتلقونها. يمكن القول إن التأكيد هو محطة في رحلة تستمر مدى الحياة، حيث يُكتشف كل فرد هويته الحقيقية كمؤمن. في كل العصور، تبقى مهمة المؤمنين بعد التأكيد واحدة: أن تكون بمثابة نور في العالم، وأن تتحدى العقبات والشكوك، وأخيراً، أن تُصبحوا سفراء للرسالة العظيمة للمسيح في كل جوانب الحياة.。
الخطوة التالية