في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، حيث أصبحت الهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لا يزال هناك بعض الأجهزة القديمة التي ترفض الانقراض، ومن بينها أجهزة "بيجر" (المُرسِل الصوتي). يتساءل الكثيرون عن سبب استمرار استخدام هذه الأجهزة في مجالات يحتاج فيها الإنسان إلى التواصل الفوري، خاصة من قبل الأطباء ورجال الإنقاذ. تعتبر أجهزة البيجر من اختراعات الأربعينيات، حيث تم تصورها في البداية لتلبية احتياجات الأطباء الذين كانوا في حاجة إلى وسيلة سهلة وسريعة للتواصل أثناء العمليات الجراحية أو تقديم الرعاية الطبية الطارئة. اليوم، لا يزال الأطباء يستخدمونها في العديد من المستشفيات، حيث تقدم الراحة والفعالية في مواقف قد تفشل فيها الهواتف الذكية. تتميز أجهزة البيجر بأنها تعمل باستخدام موجات الراديو، مما يجعلها أقل عرضة للانقطاع في مناطق لا تتوفر فيها خدمة الهاتف المحمول مثل الأقبية أو الأماكن النائية. في هذا السياق، يقول فينسنت كيلي، المدير التنفيذي لشركة "سبوك"، التي تُعتبر من الشركات الرائدة في مجال خدمات البيجر، إن أكثر من 80% من أعمالهم تتعلق بالقطاع الصحي، مع وجود حوالي 750,000 مشترك في نظم المستشفيات الكبرى. في حين أن الهواتف الذكية تعاني من مشاكل في الاتصال في الأوقات الحرجة سواء بسبب الشبكة أو الازدحام، تبقى أجهزة البيجر موثوقة في المواقف الحرجة. فعندما يحدث طارئ، يمكن للأطباء الاعتماد على هذه الأجهزة. ويُشار إلى أن البيجر يتطلب طاقة أقل، ويمكن أن يعمل لفترات أطول مقارنة بالهواتف الذكية، مما يعني أنه يمكن الاعتماد عليه في الأوقات التي يكون فيها انقطاع الطاقة. بالإضافة إلى استخدامها من قبل الأطباء، تعتمد فرق الإنقاذ في حالات الطوارئ أيضًا على هذه الأجهزة. فمثلاً، في المواقع المعرضة للكوارث مثل مصانع النفط أو المناجم، تكون أجهزة البيجر أداة فعالة تضمن التواصل بين الأفراد دون الحاجة إلى شبكة هاتف محمول. لذا، يتم استخدامها كذلك في المطاعم، حيث تُعطى للحضور إشعارات عندما تكون طاولتهم جاهزة، مما يضيف لمسة إنسانية في مجال الخدمة الصحية. أيضًا، في عالم يُخشى فيه من المراقبة والتجسس، تقدم أجهزة البيجر بديلاً جذابًا للذين يرغبون في الحفاظ على خصوصيتهم. فليست هناك وسيلة لتتبع مستخدمي البيجر، مما يجعلها خيارًا مفضلًا للكثيرين الذين يريدون التواصل دون فقدان الخصوصية. في هذا الصدد، توضح المديرة الفنية لشركة "تريند مايكرو" أن البيجر يوفر بساطة دون التعقيدات التي قد تطرأ على الهواتف الذكية. ومع ذلك، فإن الاستخدام المستمر للبيجر يثير تساؤلات حول المستقبل. في عصر الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل، هل ستظل لهذه الأجهزة مكانة في المجتمع؟ من الواضح أن الكثير من الناس يحوزون على الشعور بالحنين تجاه هذه الأجهزة، وعلى الرغم من التطور التكنولوجي، إلا أن الكثيرين يتذكرون كيف كانت هذه الأجهزة توفر لهم الطمأنينة في الأوقات الحرجة. من زاوية تطور الصناعة، فإن الاستخدام المتجدد للبيجر وتنمية التكنولوجيا الجديدة تُمكن من تحسين تجربة المستخدم. فعلى سبيل المثال، يعتقد بعض الأطباء أن القطع الحديثة من البيجر يمكنها تحسين بيئة المستشفى من خلال تقديم إشعارات متقدمة تمكنهم من القيام بمهامهم بشكل أكثر فعالية. لكن بالرغم من مزاياها، يعبر العديد من العاملين في المجال الصحي عن ترددهم في استخدامها، حيث يفضلون التواصل الفوري عبر الهواتف الذكية التي تقدم ميزة التفاعل الثنائي. فالاتصال من خلال البيجر هو اتصال أحادي الجانب، مما يحد من إمكانية تبادل المعلومات في الوقت الحقيقي، وهو ما يُعتبر أساسيًا في مجال الرعاية الصحية. الرغبة في الحفاظ على الخصوصية، مع الحاجة إلى التواصل الفعال، تبرز نقاط التوتر بين تقنيات الاتصال القديمة والجديدة. ومع ظهور أجيال جديدة من العاملين في القطاع الصحي، قد يتغير نموذج الاتصال الذي نعرفه اليوم، ولكن من الواضح أن البيجر لا يزال لديه مكان في ذلك المزيج المعقد. علاوة على ما سبق، يمكن أن نظهر التطبيق العملي لبرائة اختراع البيجر في حالات الطوارئ. في الآونة الأخيرة، استخدم رجال الإطفاء والإنقاذ البيجر للتواصل أثناء عمليات الإغاثة من الكوارث الطبيعية، حيث أثبتت هذه الأجهزة فعاليتها خلال الأوقات الصعبة. عندما تأخذ الدنيا منعطفًا مفاجئًا، مثل الزلازل أو الأعاصير، يصبح التواصل الفوري crucial. في هذه الأوقات، فقد أثبتت أجهزة البيجر أنها هي الخيار الأفضل، حيث يمكن استخدامها في الأوقات الحرجة وبدون قيود الشبكة أو مشاكل تنقل البيانات. كما لوحظ، فإن استخدام أجهزة البيجر قوبل بمزيج من الحنين والتحديات، ولكن يجب أن ندرك أنه في بعض المجالات، لا تزال تتفوق هذه الأجهزة على الهواتف الذكية، مما يجعلها عرضة للإبقاء على استخدامها قائمة في المستقبل. وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال: هل ستبقى البيجر جزءًا من التراث؟ أم ستتحول إلى ذكريات جميلة من زمنٍ مضى؟。
الخطوة التالية