تتجه أنظار العالم إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، حيث تشهد الساحة السياسية تحولات كبيرة. إحدى الشخصيات البارزة في هذه الانتخابات هي نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي بدأت في استقطاب اهتمام صناعة العملات الرقمية، وهو أمر مثير للجدل في أوساط السياسة الأمريكية. بعد سنوات من الانتقادات التي تعرضت لها هذه الصناعة، يبدو أن هاريس تحاول تقديم رسالة مختلفة. تحتفظ هاريس بائتلاف سياسي جمعت بين مختلف تيارات الحزب الديمقراطي خلال الفترة الماضية، من اليسار إلى الوسط. ومن الواضح أن استراتيجيتها الجديدة قد تستهدف الناخبين من الوسطاء ورجال الأعمال الذين يرغبون في رؤية إدارة أكثر ودية تجاه الصناعة، بينما لا تزال تحاول الحفاظ على دعم قاعدتها اليسارية. إن قرار هاريس بالتقرب من عالم العملات الرقمية يأتي بعد عامين من انهيار منصة "إف تي إكس" (FTX)، التي أثارت الكثير من المخاوف والكثير من الاستهجان من قبل الشريحة التقدمية من الناخبين. هذا الانهيار كلف المستثمرين أكثر من تريليون دولار من استثماراتهم، بما في ذلك مدخرات حيوات الكثيرين. ولذلك، فإن تغيير موقف هاريس عن الموقف العام للإدارة الحالية يعكس محاولة منها لترميم الفجوة بين القوى الاقتصادية والسياسية. يتحدث بعض المراقبين عن احتمال أن تكون هاريس تسعى لتصحيح ما يراها بعض الديمقراطيين خطأ فادحًا، وهو عدم التفاعل مع المجتمع التجاري، بما في ذلك صناعة العملات الرقمية. وقد أشار ريتشي توريز، عضو الكونغرس من نيويورك، إلى أن هاريس، بصفتها منتج من وادي السيليكون، قد تمتلك انفتاحًا طبيعيًا على التكنولوجيا الجديدة، بما يتجاوز سياسة بايدن. ووسط كل هذه الطروحات، تظهر هاريس بمظهر من يعرف كيف يستمع ويدعم العمال في ذات الوقت. يحتوي بيان الحملة الانتخابية لها على ورقة سياسات تمتد على 82 صفحة، تتناول العديد من القضايا التي تهم الناخبين، بما في ذلك محاربة سيطرة الشركات الكبرى وقضية الرسوم الغير عادلة التي تُفرض على الناس. كما تشير إلى أهمية الانخراط مع من يخلقون معظم فرص العمل في أمريكا. وسط تغيير لهجتها تجاه الأعمال، فإن هاريس تؤكد على دعمها للعمال والنقابات العمالية في نفس الوقت. فإذا نظرت إلى تشكيل الحكومة في حال فوزها بالانتخابات، فإن التغييرات القادمة قد تكون أكثر انفتاحًا تجاه نفوذ القطاع الخاص. يُتوقع أن يتم تعيين مستشارين ووزراء على علاقة وثيقة بالتكنولوجيا، وهو ما قد يتيح المجال لمزيد من التعاون مع الصناعات بما فيها العملات الرقمية. وفي سياق هذا التحول، تزداد المخاوف والجدل بين كل فئتين: المدافعين عن حقوق العمال والمناهضين لسيطرة الشركات. ولتلك العقلية الجديدة، يبدو أن هاريس تدرك أهمية جذب عدد أكبر من الناخبين الذين لديهم طموحات عملية ولتوسيع قاعدة المساندة. وبينما قد يبدو هذا التوجه غير مألوف لبعض الديمقراطيين، إلا أنه يحمل في طياته تطلعات ناحية المستقبل. عندما يضع المراقبون نظرهم على شخصيات داخل الحزب مثل إليزابيث وارن، فإن النقاش بين التيار التقدمي والتيار الوسطي يتصاعد. وكتبت وارن مؤخرًا أنها على استعداد للتفاعل مع التغيرات في عالم العملات الرقمية، ولكن تحت شروط معينة تتعلق بالامتثال للقوانين المالية المعمول بها. والسؤال الأهم هنا هو: ماذا يعني كل هذا للتحالفات السياسية داخل الحزب الديمقراطي؟ هناك قلق متزايد من أن تغير موقف هاريس قد يزعزع الاستقرار الذي تمشي عليه هذه التحالفات، حيث تقوم على قاعدة متمايزة تشمل الأفراد المهمومين بمسألة عدالة توزيع الثروة. في عالم تتصاعد فيه أضواء الحملات الانتخابية، تعتبر التمويلات علاقة حيوية. لقد أدركت هاريس هذا جيدًا، حيث أن قدرتها على جمع الأموال من مجتمع العملات الرقمية ستؤثر على قدرتها في لعب دور رئيسي في السياسة. مع تنامي النفوذ السياسي لصناعة العملات الرقمية، بدأت الجهات المقربة من هاريس بفتح قنوات اتصال مع هؤلاء المعنيين. ومع اقتراب الانتخابات، فإن التأييد المتزايد من منصات جمع التمويل الرقمية قد يعزز موقف هاريس. ومع ذلك، لا يزال هناك أصوات تدعو إلى الحذر. الديمقراطيون الذين يدعمون أقل التوجهات في عالم التقنية سيشعرون بالقلق إزاء الصدع المحتمل في الحزب الناجم عن هذا التحول. بيد أن المراقبين يشيرون إلى أن نتائج هذه التحولات قد تكون غير محددة. قد تسعى هاريس إلى تحقيق توازن معقد بين دعم القاعدة الشعبية ومتطلبات صناعة كبيرة تتمتع بنفوذ متزايد. وهذا قد يتطلب منها القيام بعدة خطوات استراتيجية على مدى فترة زمنية طويلة لضمان دعم مجموعة واسعة من الناخبين. في النهاية، يتضح أن موقف هاريس يُظهر استعدادها ليس فقط لتقبل الأبعاد المتزايدة لصناعة العملات الرقمية، بل أيضًا رغبتها في النمو والتطور السياسي. إن كانت هذه الخطوات ستؤدي إلى تعزيز تحالفها، أم ستفضي إلى توتر الأوضاع داخل الحزب، هذا هو ما سنكتشفه مع اقترابنا من الانتخابات.。
الخطوة التالية