في عالم التكنولوجيا المتسارع والمتغير، يبرز الذكاء الاصطناعي كإحدى القوى الرائدة في تشكيل المستقبل. لكن مع هذا التقدم السريع، يواجه الذكاء الاصطناعي تحديات كبيرة تتعلق بالتركيز والملكية. في هذا السياق، قد تكون الحلول اللامركزية، جنبًا إلى جنب مع تقنيات مثل "الإثباتات الصفرية المعرفة" (ZKP)، هي المفتاح لتحسين المساواة في الوصول إلى موارد الحوسبة. تاريخيًا، كانت قوة الحوسبة مركزة في أيدي عدد قليل من الشركات الكبرى. هذه الشركات تمتلك البنية التحتية اللازمة لتدريب النماذج الكبيرة للذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الصعب على المطورين الأصغر حجمًا أو الناشئين الوصول إلى نفس القدر من الموارد. ومع زيادة تعقيد النماذج، تصبح متطلبات الحوسبة أعلى، مما يعمق الفجوة بين الشركات الكبيرة والأخرى الصغيرة. وهنا يظهر عاملاً مهما: الذكاء الاصطناعي اللامركزي. تعمل شبكة الحوسبة اللامركزية على توزيع العمليات الحوسبية عبر أنظمة متعددة، مما يسهل الوصول إلى الموارد لكل من المطورين والشركات. هذا النموذج الجديد يسعى إلى إلغاء احتكار النماذج الكبيرة للذكاء الاصطناعي من قبل عدد محدود من الجهات. ولكن، على الرغم من الفوائد المدركة، تُعد اللامركزية في الذكاء الاصطناعي مهمة صعبة وتنطوي على العديد من التحديات. من أبرز التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي اللامركزي هو الحفاظ على سرية البيانات وأمان النماذج. في النظام اللامركزي، يمكن أن تكون بيانات العميل موزعة عبر عدة نقاط، مما يفتح أمام المخترقين العديد من الثغرات للاستغلال. إذا تمكن أحدهم من إنشاء عقدة متصلة بالنظام، فقد يتمكن من تحليل المعلومات أو تنفيذ عمليات ضارة. وبالتالي، يجب أن يكون هناك إجراءات أمنية إضافية لضمان حماية البيانات والنماذج من الوصول غير المصرح به. تظهر هنا تقنية "الإثباتات الصفرية المعرفة" كحل محتمل. هذه التقنية تتكون من آلية تشفير تسمح لطرف واحد (المُثبت) بأن يقنع طرف آخر (المُحقق) بصحة تصريح ما دون الحاجة إلى الكشف عن أي تفاصيل حول هذا التصريح. توفر هذه الطريقة وسيلة آمنة للتحقق من العمليات في شبكة الحوسبة اللامركزية، مما يسمح لكل عقدة بإثبات أنها فعلت ما هو متوقع منها. ومع ذلك، تعاني هذه التقنية من تكلفة حسابية مرتفعة، ما يجعل استخدامها في التطبيقات الكبيرة أمرًا صعبًا. فمثلاً، في حالة تدريب النماذج الكبيرة، قد تؤدي هذه التكاليف إلى تقليل كفاءة العملية بشكل كبير. ولهذا السبب، يبحث المطورون عن حلول هجينة تجمع بين الأساليب التقليدية وطرق الإثباتات الصفرية لتقليل التكاليف وفتح المجال أمام استخدام هذه التقنية بشكل أوسع. تحظى بعض الفرق بالاهتمام، مثل Gensyn وInference Labs، التي تركز على استخدام الحوسبة اللامركزية لتدريب النماذج الكبيرة. يهدف هؤلاء المطورون إلى استغلال قدرات الأجهزة الشخصية التي قد تكون غير مستخدمة، مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة، للمساهمة في عملية التدريب. وفي الوقت نفسه، يمكن للمستخدمين جني مكافآت مالية مقابل استغلال موارد حوسبة أجهزتهم. ومع ذلك، لا تتوقف الفوائد عند ذلك. من خلال تمكين المستخدمين العاديين من المساهمة في الشبكات، يمكن أن يتحقق توزيع أفضل للموارد وكسر الاحتكار الذي تفرضه الشركات الكبيرة. هذا النموذج يمكن أن يسهل وصول المطورين الصغار إلى التقنيات المتقدمة، مما يمنحهم فرصًا أكبر للتنافس في سوق التكنولوجيا المتطورة. تسعى المشاريع مثل HellasAI وغيرها إلى تطوير طرق جديدة تمثل النماذج والعمليات، مما يتيح الابتكارات في طريقة التحقق. على سبيل المثال، يعملون على تطوير نماذج تعتمد على لعب تحديات إيجابية، حيث يتم التعامل مع جزء من العمليات فقط بمحفزات صفرية المعرفة. هذه الطريقة تعتمد على تقديم ضمانات للمستخدمين بأن أي خطأ سيكون قابلاً للاكتشاف. باختصار، تمثل الحوسبة اللامركزية والذكاء الاصطناعي اللامركزي تطورًا مهمًا في عالم التكنولوجيا. تقدم هذه النماذج الجديدة الأمل في إحداث تحول جذري في كيفية الوصول إلى موارد الحوسبة وكيفية توزيعها. ومع تحقيق المزيد من التقدم في تقنيات مثل الإثباتات الصفرية المعرفة، يصبح من الممكن أن نرى عالمًا حيث يمكن للجميع، وليس فقط الشركات الكبرى، أن يلعبوا دورًا حاسمًا في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. في هذا السياق، يتعين على المستثمرين والمطورين على حد سواء فهم التحديات والفرص المرتبطة بهذا التحول. فكلما تمكنوا من استغلال هذه التغيرات، زادت الفرص المتاحة لهم في عالم التكنولوجيا. مع الانتقال إلى نماذج أكثر شمولية، يصبح بإمكان الأفراد والشركات الصغيرة تحقيق تأثير أكبر في السوق، مما يسهم في خلق بيئة تكنولوجية أكثر انفتاحًا وديمقراطية. إن رحلة الذكاء الاصطناعي اللامركزي لا تزال في بدايتها، ولكن مع كل تقدم في هذا المجال، يتضح أن مستقبل الحوسبة قد يكون في أيدي المستخدمين العاديين. فقد يكون بإمكان كل جهاز كمبيوتر محمول أن يسهم في صناعة مستقبل الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى عالم أكثر شمولية وتحقيقًا للفرص.。
الخطوة التالية