في ظل تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية في العالم، وازدياد ظواهر التطرف والتمييز، تم إنشاء منصة جديدة تحت عنوان "أكشن ديموكراسي كيرنتن / كوروسكا" في النمسا، وتحديدا في ولاية كيرنتن. في وقت يعاني فيه المجتمع من ضغط متزايد على الديمقراطية، تتطلع هذه المنصة إلى التوعية بمخاطر الفكر اليميني المتطرف ورفض التمييز والإقصاء. المبادرة التي تزامنت مع اقتراب الانتخابات الوطنية، تهدف إلى جمع أفراد ومجموعات من مختلف الانتماءات السياسية والاجتماعية، لتشكل جبهة موحدة ضد الأفكار والممارسات الخطيرة التي تهدد الأسس الديمقراطية. ويرى القائمون على المنصة أن التهديدات الحالية تأتي من الحركات اليمينية، والتي تستغل مخاوف الناس من المهاجرين والأقليات لتحقيق مكاسب سياسية. قال هاري كولر، أحد مؤسسي المنصة ومدير المعهد المعروف بتوجهاته الاشتراكية، إن الديمقراطية تواجه تحديات جسيمة على الصعيدين الأوروبي والعالمي. وأشار إلى أن هناك محاولات لإعادة هيكلة وسائل الإعلام وإلغاء القوانين، وهو أمر يساهم في تفكيك الحقوق التي تم كسبها بصعوبة عبر العقود. وأكد كولر أن المنصة ليست مجرد مراقب للأحداث، بل تأمل أن تساهم في الحراك السياسي وتحفيز الناس على التفاعل. كما تناولت لينا زاخمان، رئيسة اتحاد الطلبة في جامعة كلاغنفورت، أهمية التصدي لعمليات القذف والتهميش. لقد لفتت زاخمان الانتباه إلى أن لغة الكراهية وعبارات التمييز أصبحت أكثر شيوعًا، حيث تتدفق الخطابات التي تنادي بالترحيل والسياحة اللجوئية، في مسعى نحو تحقيق مجتمع متجانس يتم فيه إقصاء الآخر. وأكدت زاخمان أن عمل المنصة يهدف إلى تضميد جراح المجتمع وخلق فضاء آمن للجميع، مهما كانت خلفياتهم. ولكن ما هي الأدوات التي ستستخدمها هذه المنصة لتحقيق أهدافها؟ أوضح كولر أن المنصة تسعى إلى تعزيز الوعي من خلال تنظيم فعاليات ونشاطات تعليمية تهدف إلى تقديم معلومات موضوعية حول مخاطر الفكر اليميني. كما أشار إلى أهمية الانخراط في نقاشات عامة ودعوة الجميع، بما في ذلك المنظمات التي قد تتخذ مواقف مختلفة، للمشاركة في مواجهة هذه الظواهر. واعتبر كولر أيضًا أن المناخ العام في النمسا يحمل تحديات إضافية، خاصة مع وجود بعض الشخصيات السياسية التي تستخدم الخوف كأداة لجذب الناخبين. ومن بين أكبر الأسماء المثيرة للجدل، يتم تناول اسم هيربرت كيك، زعيم حزب الحرية اليميني، الذي استغل قضايا الأمن والهجرة لصالح أجندته السياسية. استخدمت المنصة وصفًا دراميًا لهذا الخطاب، حيث أشبه كولر كيك بأنه "مكنسة رعب" تستخدم لتنظيف الساحة من الآراء المعارضة. على صعيد آخر، يخطط المنظمون لإطلاق سلسلة من الفعاليات العامة التي تركز على الحوار المفتوح. الهدف هو جذب الشباب والنساء والأقليات إلى هذه النقاشات، حيث يعتقد القائمون على المنصة أن جيل الشباب هو أكثر الأجيال وعياً بتحديات المجتمع الحديثة. كما سيسعون لتوفير منصات للجميع لإبداء آرائهم، مما يساعد على تعزيز الفهم والاحترام المتبادل. بالإضافة إلى ذلك، تختلف أنشطة المنصة، حيث تشمل تنظيم ورش عمل، ومناقشات أكاديمية، وعروض فنية، تهدف جميعها إلى تعزيز الفكر النقدي واستعراض المواقف المتعددة. سيتعاون العديد من الأكاديميين والنشطاء المعروفين على تصميم هذه الأنشطة. تدعم العديد من المنظمات، بما في ذلك الحزب الاشتراكي النمساوي ومنظمة "أتاك"، هذه المنصة. ومن المتوقع أن تجذب المشاركة في الفعاليات مجموعة متنوعة من الناس، بما في ذلك الصحفيين والناشطين والمثقفين. ويأمل القائمون على المنصة أن يكون الأثر محسوسًا في تغيير النقاش العام حول الهجرة والاندماج. من المهم بمكان أن نذكر أن هذه المنصة ليست فريدة من نوعها في كيرنتن فقط، بل تشكل جزءًا من حركة أوسع تتجاوز الحدود النمساوية. فالعديد من الدول الأوروبية شهدت تزايدًا في مظاهر التطرف، وهنا تبرز أهمية التكاتف والتضامن في مواجهة هذه الظواهر. يجب أن نتذكر جميعًا أن الديمقراطية تستدعي منا جميعًا أن نكون جزءًا فعالًا في الدفاع عنها؛ لأن الحضارات والمجتمعات تستمد قوتها من تنوعها وتعددية آرائها. ومع مرور الوقت، تظل مسألة كيف ستؤثر هذه المنصة على الساحة السياسية والاجتماعية في النمسا محل جدل. لكن المؤكد أن هناك حاجة ملحة لمثل هذه المبادرات، خصوصًا في أوقات التوتر السياسي والاجتماعي. فالحوار والثقافة هي أدواتنا الأكثر فعالية لتحصين المجتمعات ضد التطرف والتعصب. وفي الختام، يمكن القول إن منصة "أكشن ديموكراسي كيرنتن / كوروسكا" تمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز القيم الديمقراطية ونبذ الكراهية. تأمل المنظمة في أن تكون قادرة على تحويل النقاشات السلبية إلى فرص للتواصل والتعلم، مما يسهل بناء مجتمع مستدام يتسم بالاحترام والتفاهم. الحضور الفعال للجميع في هذا الجهد يمثل الأمل في مستقبل أفضل، حيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات بلا تمييز أو تهميش.。
الخطوة التالية