في عالم التكنولوجيا السريع الخطى، حيث تسود الابتكارات والتحديثات، تأتي الحوادث الكبرى لتسلط الضوء على المخاطر التي تواجه الشركات الكبرى. أحد هذه الحوادث المدوية كان الانقطاع الذي أثر على شركة "دلتا" الجوية في 19 يوليو، والذي قد يتسبب في دعوى قانونية محتملة ضد شركة "كراودسترايك"، وهي واحدة من أبرز الشركات المتخصصة في الأمن السيبراني. شهدت "دلتا" خسائر فادحة تقدر بنحو 500 مليون دولار نتيجة الانقطاع، الذي أثر على ما يقرب من 7000 رحلة جوية لمدة خمسة أيام متتالية. وفي تعليقه على الموضوع، صرح إد باستيان، الرئيس التنفيذي لشركة "دلتا"، في مقابلة مع شبكة CNBC، أن الشركة لا تملك خيارًا آخر سوى التوجه للطريق القانوني للحصول على تعويض عن الأضرار. وقد تم تكليف المحامي الشهير ديفيد بويز من مكتب "بويز شيلر فلكنر" بتمثيل الشركة في هذه القضية. ومع ذلك، وبحسب تحليل نشره جوزيف غالو، نائب الرئيس الأول في شركة "جي إف إتش"، فإنه من غير المرجح أن يتم تحميل "كراودسترايك" المسؤولية عن الأضرار الناجمة عن هذا الانقطاع. يعد هذا التحليل بمثابة شعاع من الأمل لشركة الأمن السيبراني، التي شهدت انخفاضًا كبيرًا في قيمة أسهمها منذ وقوع الحادث، حيث تراجعت بنسبة 31% مقارنة بسعر إغلاقها في 18 يوليو. لكن في 31 يوليو، سجلت الأسهم زيادة بسيطة، مما يشير إلى أن السوق لا يزال يتفاعل بحذر مع الأحداث الأخيرة. بعد الانقطاع، انتشرت الشائعات حول أن التحديثات التي طرأت على منصة "فالكون" التابعة لـ "كراودسترايك" قد تسببت في ظهور "شاشة الموت الزرقاء" على 8.5 مليون جهاز في جميع أنحاء العالم. تم وصف الحدث بأنه أكبر حادث انقطاع في تكنولوجيا المعلومات، متجاوزًا تأثيره قطاعات متعددة مثل الطيران والرعاية الصحية والأعمال. وقد قدّر أحد شركات مراقبة السحابة والتأمين الأضرار المباشرة التي لحقت بشركات الـ Fortune 500 الأمريكية بنحو 5.4 مليار دولار. ويشير غالو إلى أن شركة "كراودسترايك" لا تعتقد أنها ستضطر لتعويض عملائها عن الانقطاع، لكن لابد من الإشارة إلى أن تكاليف التقاضي والضغط الناتج عن هذه القضية سيؤثران على الشركة بشكل ملحوظ. مع ذلك، يعتقد غالو أن الشركة تتمتع بقاعدة واسعة من العملاء، حيث لديها ما يقرب من 30,000 عميل، مما يقلل من احتمالية تلقي الشركة لضرر كبير في إيراداتها المتوقعة. وبينما يتوقع البعض أن تكون "دلتا" هي الشركة الوحيدة التي ستتحرك قانونيًا ضد "كراودسترايك"، وضح غالو أن هناك شركات أخرى قد تكون متضررة أيضًا وستفكر في اتخاذ خطوات قانونية. هذا الأمر قد يزيد من الضغط على الشركة ويدفعها لإعادة تقييم استراتيجياتها التأمينية والتشغيلية. تجدر الإشارة إلى أنه بعد الانقطاع، صرح الرئيس التنفيذي لشركة "كراودسترايك"، جورج كيرتس، بأن 97% من مستشعرات "ويندوز" التابعة للمنصة كانت تعمل بشكل سليم بحلول 25 يوليو، مما يدل على نجاح الشركة في استعادة الخدمة بسرعة. ورغم ذلك، لم يخل الأمر من التعليقات النقدية، حيث أشار تومر واينغارتن، الرئيس التنفيذي لشركة "سنتينيل ون"، إلى أن التحديث الذي أدى إلى الانقطاع بدا وكأنه قد bypassed (تجاوز) العملية المعتادة لتحديث نظام تشغيل "ويندوز". في سياق متصل، أكدت "كراودسترايك" أن هناك مشكلة في عملية التحقق من التحديثات الأمنية، مما ساعد في السماح بتحديث خاطئ للنظام. هذا الاعتراف يؤكد على أهمية عمليات التحقق في الحفاظ على الأمان السيبراني، ويجعل الشركات مثل "كراودسترايك" تدرك المخاطر الكامنة وراء تطوير التحديثات. تتواصل تداعيات الحادث، ولا تزال التقارير تتوالى حول تأثيره على الشركات الأخرى وأيضًا على سمعة "كراودسترايك". ومع ارتفاع الطلب على الأمن السيبراني، يعتبر أي خلل في الخدمة أو تحديث قد يسبب انقطاعًا غير مقبولًا للمستثمرين والعملاء. وفي النهاية، يشكل حادث "كراودسترايك" بمثابة تذكير قوي للجميع حول المخاطر التي تواجهها الشركات في العصر الرقمي. سواء كانت هذه المشاكل ناتجة عن ضعف في السلسلة التكنولوجية أو نتيجة لخطأ بشري، فإن النتائج يمكن أن تكون مدمرة. بينما تسعى "دلتا" للحصول على تعويض عن الأضرار التي لحقت بها، تظل "كراودسترايك" في موقع الدفاع وتعمل على تحسين أنظمتها لتفادي تكرار الحوادث المماثلة في المستقبل. سيكون من المثير للاهتمام متابعة تطورات هذه القصة ومعرفة كيف ستستجيب "كراودسترايك" للقضايا القانونية المحتملة، وكيف ستتأثر سمعتها في السوق. بينما يتجه الجميع نحو العصر الرقمي، فإن الحفاظ على الأمن السيبراني سيكون دائمًا في مقدمة الأولويات، والأخطاء يمكن أن تكلف الشركات الكثير.。
الخطوة التالية