في العقد الأخير، شهدنا طفرة هائلة في تطوير الأنظمة المالية الرقمية، حيث أصبحت تقنية البلوكتشين إحدى الركائز الأساسية التي تدعم هذه التحولات. ومع ذلك، يبقى سؤال ملح: هل سيتطلب نظام الدفع الرقمي المبني على البلوكتشين استخدام الهواتف الذكية لتحقيق الانتشار الفعّال بين الفئات منخفضة الأجر؟ إن الانتقال إلى أنظمة الدفع الرقمية يأتي في وقت أصبح فيه العالم أكثر ترابطًا، وباتت تقنيات الدفع الإلكتروني تحظى بشعبية متزايدة. إلا أن العديد من الناس، وبالأخص ذوي الدخل المنخفض، لا يزالون يواجهون تحديات كبيرة في التكيف مع هذه الأنظمة الجديدة. فالهواتف الذكية، على سبيل المثال، تمثل أداة حيوية في تنفيذ المعاملات الرقمية، ولكن هل هي ضرورية حقًا لتحقيق هذا الهدف؟ للإجابة على هذا السؤال، علينا أولاً أن نفهم واقع مستخدمي البلوكتشين ومدى وصولهم إلى التكنولوجيا. في الدول المتقدمة، النتائج واضحة؛ حيث يستخدم معظم الناس الهواتف الذكية لتسهيل معاملات التبادل. ولكن في الدول النامية أو بين الفئات منخفضة الأجر، قد لا يكون الوضع كذلك. وهنا تكمن المشكلة: كيف يمكن تصميم نظام دفع رقمي يلبي احتياجات هؤلاء الأفراد دون الاعتماد بشكل كامل على التكنولوجيا الحديثة؟ الباحثون في مجال الأنظمة المالية الرقمية يقترحون عدة حلول مبتكرة. من ضمنها استخدام بطاقات الدفع البلاستيكية، والتي يمكن أن تكون مرتبطة مباشرة بنظام البلوكتشين، مما يسهل عمليات الدفع دون الحاجة لامتلاك هاتف ذكي. هذه البطاقة يمكن أن تكون متاحة بسعر معقول، مما يجعلها بديلاً جيدًا للأشخاص الذين لا يستطيعون شراء هواتف ذكية. إضافة إلى ذلك، يمكن تطوير تطبيقات بسيطة تعمل على الهواتف القديمة أو الهواتف القابلة للطي. هذا النوع من التطبيقات يمكن أن يسهم في تسهيل عملية الدفع بواسطة الكود QR، مما يسمح لمستخدمين غير معتادين على الهواتف الذكية بالمشاركة في النظام. المسألة ليست فقط في الوصول إلى التكنولوجيا، بل تتعلق أيضًا بالوعي والتثقيف. يجب توفير برامج تعليمية وتدريبية تساعد الأفراد على فهم كيفية استخدام هذه الأنظمة الحديثة بشكل فعال. فالكثير من مشكلات عدم اعتماد وتبني نظم الدفع الرقمية تكمن في عدم الفهم الكافي لكيفية التعامل معها. كما يجب أن تتمتع أي منظومة جديدة بالمرونة اللازمة لتلبية احتياجات المجتمع. ما يعني أنه يجب تطوير نظم البلوكتشين بحيث تكون قادرة على التعامل مع تقنيات مختلفة وملائمة للسياقات المحلية، بحيث يكون هناك خيار متاح للجميع، حتى لمن لا يمتلك هواتف ذكية. الأمر الآخر الذي يجب مراعاته هو البنية التحتية. في العديد من المناطق، خصوصًا في الدول النامية، قد تكون البنية التحتية للاتصالات غير متطورة بما يكفي لدعم نظام مدفوعات رقمي يعتمد بشكل كبير على الهواتف الذكية. لذا يجب التفكير في كيفية تحسين هذه البنية التحتية، والتي تعتبر خطوة أساسية لضمان نجاح أي منظومة جديدة. وعلاوة على ذلك، تلعب القوانين والتشريعات دورًا حاسمًا في دعم أو عرقلة اعتماد نظم الدفع الرقمية. الحكومات والمؤسسات المالية يجب أن تتبنى سياسات تشجع على الابتكار وتطوير نظم مالية تتناسب مع الجميع، بما في ذلك الفئات ذات الدخل المنخفض. ينبغي أن تدرك هذه الهيئات أن تبني نظم البلوكتشين يجب أن يترافق مع إجراءات قانونية تقلل من التعقيدات الإدارية والمالية. تعتبر التجارب السابقة في إطلاق نظم دفع رقمية مثالًا كبيرًا. الأنظمة مثل "موبايلي" و"فودافون كاش" في بعض البلدان، تعتبر من الأمثلة الناجحة التي استخدمت حلولاً مبتكرة لنشر خدماتها. تم الاعتماد على تطبيقات بسيطة مثل كود QR ومراكز الدعم لتسهيل المعاملات لكل شرائح المجتمع. في النهاية، الإجابة على سؤال ما إذا كان نظام دفع رقمي يعتمد على البلوكتشين يحتاج إلى هواتف ذكية تعتمد بشكل كبير على السياق. التكنولوجيا ليست العائق الوحيد، بل يمثل الوعي والمعرفة والبنية التحتية والسياسات العامة عوامل أساسية تؤثر على نجاح أو فشل هذه الأنظمة. إذا كانت الحلول تتضمن مرونة تكيف هذه النظم مع الأنظمة الموجودة، قد نجد أن الهواتف الذكية ليست ضرورية بشكل مطلق لتحقيق التبني الفعال. خلاصة القول، رغم أن البلوكتشين يمثل ثورة في عالم الدفع الرقمي، إلا أن تحقيق نجاحه بين الفئات منخفضة الأجر يتطلب جهودًا متكاملة تشمل تحسين البنية التحتية، تعزيز التثقيف، وتوفير أدوات دفع بديلة. فقط من خلال مد الجسور بين التقنية والواقع المعيشي للفئات الضعيفة يمكننا أن نضمن تحقيق الشمول المالي وتعزيز مشاركة الجميع في الاقتصاد الرقمي.。
الخطوة التالية