في 7 سبتمبر 2021، أقدم رئيس السلفادور، نايب بوكيله، على خطوة جريئة تعد الأولى من نوعها في العالم، حيث أعلن عن اعتماد عملة البيتكوين كأحد الوسائل القانونية للتبادل المالي في البلاد. وقد أثار هذا القرار ضجة كبيرة في الأوساط الاقتصادية والسياسية، وأصبح السلفادور مركز اهتمام العالم فيما يتعلق بالعملات الرقمية. لكن تساؤلات عدة ظلّت قائمة حول نوايا هذا القرار وما إن كان يمثل استراتيجية اقتصادية حقيقية لتحسين أوضاع البلاد أم مجرد حيلة دعائية. أجرَت فيرا بيرغنغرين، الصحفية البارزة في مجلة تايم، مقابلة مع بوكيله، حيث أكدت أن اعتماد البيتكوين لم يكن بهدف تحسين الوضع الاقتصادي للسلفادور كما ادعى الرئيس، بل كان في الأساس مجرد خطوة ترويجية تهدف إلى تعزيز صورته السياسية. من خلال تحليلاتها، ربطت بيرغنغرين بين خلفية بوكيله كمتخصص في العلاقات العامة وقراراته السياسية، مشيرة إلى أن خلفية الرئيس كمدير لعمله الدعائي قد أسهمت في تشكيل سياساته بطريقة تركز على الواجهة الإعلامية أكثر من النتائج الفعلية. خلال الظهور في برنامج بودكاست "بود سيف ذا وورلد"، استعرضت الصحفية كيف أن قرار اعتماد البيتكوين كان جزءًا من استراتيجية متكاملة لإعادة تشكيل صورة بوكيله. وأوضحت أن مستشاري الرئيس اعتبروا هذا القرار "خطوة دعائية عظيمة" لا أكثر. وأعادت التأكيد على أن استخدام البيتكوين لم يكن يستهدف تحسين الحياة الاقتصادية للسلفادوريين، بل كان يهدف لجذب الاهتمام الخارجي وتغيير الرواية المحيطة حول البلاد. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها السلفادور، يُعتبر من السهل فهم الأسئلة التي طُرحت حول جدوى هذا القرار. فالسلفادور تعاني من معدلات فقر مرتفعة ونسب بطالة مخيفة، حيث يسعى المواطنون إلى البحث عن حلول حقيقية لتحسين أوضاعهم. لكن عوضًا عن تقديم حلول ملموسة، اختار بوكيله التركيز على العملة الرقمية، وهو ما قد يُظهر فشلاً في معالجة المشكلات الحقيقية التي تواجه البلاد. واستدلت بيرغنغرين بمشاريع بوكيله السابقة، مثل الخطة لإنشاء مدينة بيتكوين تعتمد على الطاقة الجيولوجية المولدة من البراكين، والتي بقيت في مراحل التخطيط ولم تُنفذ بعد. هذه الخطط الخاصة بإنشاء ما يسمى "مدينة البيتكوين" كانت جزءًا من حملة دعاية واسعة، ولكنها لم تتمكن من تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة. أوضحت الصحفية أنه بالرغم من الضجيج الإعلامي الذي صاحب قرار التوجه نحو البيتكوين، فإن النتائج لم تكن كما هو متوقع. فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتسهيل المعاملات المالية باستخدام العملة الرقمية، إلا أن الكثير من المواطنين لم يستفيدوا من هذه الخطوة. وبالرغم من وجود بعض التحسينات في عمليات التحويل الدولي، إلا أن الأثر العام لهذا القرار على الاقتصاد الواسع لم يكن ملموسًا. تشير الأرقام إلى أن نجاح تطبيق البيتكوين كعملة قانونية في السلفادور كان أقل بكثير من الطموحات المعلنة. إذ لم تكن هناك زيادة كبيرة في الاستثمارات الأجنبية، بل على العكس، فقد أدت تقلبات السوق إلى مخاوف بين المستثمرين والمواطنين العاديين على حد سواء. من المهم أن نتساءل عما إذا كان بإمكان العملات الرقمية تحسين الواقع الاقتصادي للدول النامية مثل السلفادور. فالاستثمار في التكنولوجيا الجديدة دون وجود بنية تحتية قوية أو فهم شامل للأسواق يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير محسوبة. هذه النقطة تكشف عن ضرورة الدراسة المتأنية للتأثيرات المحتملة لأي خطوة جريئة في مجال الاقتصاد الرقمي. لم يكن اعتماد البيتكوين مجرد تحول تقني، بل تجسيدًا لاستراتيجية سياسية تعتمد على جذب الأنظار وإعادة تشكيل الروايات. وهذا يمثل تحديًا كبيرًا، حيث يعتمد العديد من الناس في السلفادور على الحكومة لتقديم حلول تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وليس مجرد شعارات دعائية. لقد قدمت بيرغنغرين صورة واضحة تنذر بوجود مشاكل حقيقية في سياسات بوكيله. فهي ترى أن التركيز على البيتكوين كان بعيدًا عن تحسين الظروف الاقتصادية للسلفادوريين ويعكس حاجته إلى إعادة توجيه النقاشات نحو القضايا الحقيقية التي تحتاج إلى معالجة. فالحديث عن العملة الرقمية يجذب اهتمام وسائل الإعلام، ولكنه في النهاية لا يقدم إجابات لهذا الشعب الذي يعاني. ختامًا، تبقى تجربة السلفادور مع البيتكوين درسًا هامًا للعالم. ففي الوقت الذي يمكن أن تحمل فيه الابتكارات الاقتصادية وعودًا كبيرة، فإن التطبيق الفعلي بعيد عن النجاح دون وجود رؤية استراتيجية شاملة. يُمكن أن تكون العملات الرقمية جزءًا من الحل، ولكن إن لم تكن موجهة نحو تحسين واقع الناس، فإنها قد تصبح فقط أداة لشعارات مليئة بالوعود الكاذبة.。
الخطوة التالية