في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) من أكثر الموضوعات تداولاً في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد. يتزايد استخدامه في العديد من التطبيقات، بدءًا من المساعدات الصوتية مثل "سيري" و"أليكسا" إلى الأنظمة المعقدة التي تدعم السيارات ذاتية القيادة. لكن هذا الانفجار في استخدام الذكاء الاصطناعي يأتي مع تكلفة كبيرة، تتعلق بالطاقة المطلوبة لتشغيل هذه الأنظمة. وفي هذا المقال، سنتناول كيفية تأثير هذا الأمر على الشريحة العالمية وما قد يعنيه ذلك لمستقبل الطاقة. يعتبر الذكاء الاصطناعي عملية حسابية عالية التعقيد تتطلب طاقة هائلة لتدريب الأنظمة والتفاعل مع المستخدمين. فإذا أخذنا على سبيل المثال، نموذج ChatGPT الذي قدمته شركة OpenAI، فقد أوضحت التقارير أن الاستجابة لاستفسار واحد تحتاج إلى عشرة أضعاف الطاقة التي تحتاجها استجابة واحدة من محرك البحث "جوجل". يعني ذلك أن كل استفسار يقدم للذكاء الاصطناعي يستنزف كمية كبيرة من الطاقة، مما يثير تساؤلات حول استدامة هذه التكنولوجيا على المدى الطويل. إن الشركات الكبرى، مثل أمازون وجوجل ومايكروسوفت، تدرك هذه التحديات وتسعى جاهدة لتطوير حلول تستخدم طاقة أقل. يقوم البعض منها باستكشاف الحلول المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كمصدر لتزويد مراكز البيانات بالطاقة اللازمة. في الواقع، أجرت العديد من هذه الشركات استثمارات ضخمة في مشاريع الطاقة المتجددة لتعويض الاستهلاك الكبير للطاقة. كما أنهم يحاولون تحسين كفاءة مراكز البيانات من خلال استخدام تقنيات تبريد متقدمة لتحقيق توفير أكبر في استهلاك الطاقة. ومع ازدياد الضغط على الشبكات الكهربائية بسبب الطلب المتزايد على الطاقة من الذكاء الاصطناعي، قد نجد أنفسنا أمام سيناريو يتطلب الابتكار في كيفية إنتاج وتوزيع الطاقة. من الضروري بمكان أن تتولى الحكومات والشركات معًا مسؤولياتها في تنظيم الاستخدام الفعال للطاقة، بحيث يمكن أن يكون المستقبل مستدامًا. وهذا يعني أن هناك حاجة ملحة للاستثمار في التقنيات الحديثة التي تهدف إلى تقليل البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي. لا يقتصر الأمر على الطاقة المستخدمة في تشغيل الأنظمة والمراكز، بل يمتد إلى عملية تصنيع الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأنظمة. تنتج هذه الأجهزة أيضاً بصمة كبيرة من حيث استهلاك الطاقة، غير أنه مع الزيادة المتواصلة للطلب على أجهزة الكمبيوتر الحديثة والمعالجات الداعمة للذكاء الاصطناعي، قد نشهد تفاقم هذه المشكلة في المستقبل. لذلك، يجب أن تكون الشركات أيضًا مسؤولة عن كيفية تصنيع هذه الأجهزة وكيفية تحسين كفاءة استهلاكها للطاقة. يتزامن هذا مع تطور سريع في قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم والتكيف. لكن يبقى السؤال: كيف يمكن ضمان أن هذه التقنية، التي تعد مستقبلًا واعدًا، لا تؤدي إلى زيادة في الطلب على الطاقة تؤثر سلبياً على البيئة؟ قد يتمكن العلماء والباحثون من تطوير خوارزميات أكثر كفاءة تسمح للأنظمة بالتعلم وتحليل البيانات دون الحاجة إلى كميات هائلة من الطاقة. التعلم المعزز، على سبيل المثال، يعد مجالًا واعدًا يمكن من خلاله تحسين الأداء وتقليل استهلاك الطاقة. إضافةً إلى ذلك، يمكن الاستفادة من الابتكارات في مجال الشبكات الكهربائية، مثل الشبكات الذكية، لإدارة الطاقة بشكل أكثر فعالية. تتيح هذه الشبكات التحكم في تدفق الطاقة واستخدامها بطريقة أكثر كفاءة، مما قد يقلل الحاجة إلى الطاقة التقليدية ويعزز استدامة استخدام الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، يتوجب على المجتمعات إدراك تأثيرات استخدام الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية. على الرغم من الفوائد المحتملة، مثل زيادة الكفاءة وتحسين جودة الحياة، فإن استهلاك الطاقة الناتج عن هذه الأنظمة يشكل تحديًا يجب التعامل معه. لذا ينبغي تعزيز الوعي بهذا الجانب والعمل على إيجاد حلول مبتكرة تضمن استدامة هذه التكنولوجيا وتخفيف الأثر البيئي. في نهاية المطاف، يواجه العالم أبعادًا جديدة من تحديات الطاقة نتيجة الانفجار في استخدام الذكاء الاصطناعي. يتوجب على الشركات والحكومات والمجتمع ككل التعاون في الابتكار والتطوير من أجل دعم مستقبل أكثر استدامة. هذا التعاون مشروط بإيجاد توازن بين الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحقيق الأهداف البيئية. إذا استمرت هذه الاتجاهات دون معالجة فعالة لهذه القضايا، قد نجد أن استخدام الذكاء الاصطناعي سيكون له آثار سلبية تفوق فوائدها. يتطلب مستقبل الذكاء الاصطناعي إدراكًا عميقًا لأهمية استدامة الطاقة وتقديم حلول مبتكرة تسمح بتحقيق التطور التكنولوجي دون إلحاق الضرر بالبيئة. في الوقت نفسه، يجب ألا نغفل عن أهمية البحث والتطوير في استكشاف مصادر جديدة للطاقة والاستثمار فيها، نظرًا لأن الطاقة المتجددة هي الطريق الوحيد لضمان استدامة التقدم التكنولوجي وإيجاد حلول لذلك الطلب الكبير على الطاقة. مستقبل الذكاء الاصطناعي يعتمد على كيفية إدارة هذه الموارد بذكاء وفعالية.。
الخطوة التالية