تُعد تقنيات الذكاء الاصطناعي واحدة من أهم التطورات التكنولوجية في العصر الحديث، إلا أن هذه التقنيات تأتي مع تحديات كبيرة، ويعد استهلاك الطاقة أحد أبرز هذه التحديات. ففي الوقت الذي تسهم فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين العديد من جوانب الحياة، فإنَّ قدرتها الكبيرة على معالجة البيانات وإجراء العمليات الحسابية تستهلك طاقة كهربائية هائلة. المقالة التالية تستعرض تأثير استهلاك الطاقة في الذكاء الاصطناعي والتحديات التي يواجهها هذا المجال. أظهرت التقارير الحديثة أنَّ الاستعلام عن نتائج الذكاء الاصطناعي، مثل تلك التي تقدمها نماذج مثل ChatGPT، يستهلك طاقة كهربائية تزيد بأضعاف عن استعلامات البحث التقليدية على الإنترنت. على سبيل المثال، يُمكن أن يتطلب استعلام واحد على ChatGPT مالا يقل عن عشرة أضعاف الطاقة المطلوبة لعملية بحث عادية على جوجل. هذا الأمر يجعلنا نتساءل: لماذا يتطلب الذكاء الاصطناعي هذه الكمية الكبيرة من الطاقة؟ يرجع السبب الرئيسي إلى هيكلية نماذج التعلم الآلي المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، وخاصة النماذج الكبيرة. فالذكاء الاصطناعي يعتمد على ما يعرف بالشبكات العصبية الاصطناعية، والتي تتطلب عمليات حسابية معقدة تتضمن معالجة كميات هائلة من البيانات. عند التعامل مع الموديلات الكبيرة، فإن استخدام الطاقة يتضاعف عدة مرات، مما يؤدي إلى ضعف استهلاك الطاقة مقارنة بالبحث التقليدي. ولكن، ليس فقط الاستعلامات هي ما تستهلك الطاقة. عمليات التعليم والتدريب لنماذج الذكاء الاصطناعي تُعتبر هي الأخرى من العمليات التي تحتاج إلى كميات ضخمة من الطاقة. تحتاج النماذج الكبيرة إلى أجهزة كمبيوتر قوية تعمل بشكل مستمر لفترات طويلة. تشمل هذه الأجهزة وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) والمعالجات التي تتطلب طاقة كبيرة لتشغيلها. تسعى شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تقليل استهلاك الطاقة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. ولكن التحديات ما زالت قائمة. أجرى العديد من الباحثين دراسات لإيجاد أساليب لتحسين كفاءة الطاقة لهذه التقنيات، على سبيل المثال، من خلال تطوير نماذج أصغر وأقل استهلاكًا للطاقة. يبدو أن المشكلة الأكبر تأتي من جانب البنية التحتية. فلتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة، ستحتاج الشركات إلى استثمار المزيد في تطوير شبكات الكهرباء والبنية التحتية للطاقة المتجددة. في هذا الاتجاه، يبدي العديد من صانعي السياسات قلقهم من التأثير البيئي الكبير الناتج عن استهلاك الطاقة الضخم. على سبيل المثال، يقدر أن مراكز البيانات، التي تعد منزل النماذج، ستستهلك نحو 10% من إجمالي استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة. وهنا يأتي دور الطاقة المتجددة. إن تحول العديد من الشركات الكبرى نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة يعكس رغبة فعلية في تقليل الأثر البيئي. لا تقتصر الفائدة على تقليل البصمة الكربونية فقط، بل تشمل أيضًا تخفيض التكاليف على المدى الطويل. ومع ذلك، يبقى الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة كافيًا لتلبية الطلب المتزايد. تواجه الحكومات تحديات سعيها لتحقيق التوازن بين توفير الطاقة واستدامتها، وهو ما يؤدي إلى عملية اتخاذ قرارات صعبة في مجال الاستثمارات. تثار تساؤلات حول مدى فعالية الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت ستضيف قيمة حقيقية للحياة البشرية أم مجرد عبء إضافي على البيئة. في الوقت نفسه، هناك مجال للابتكار. هناك عدد من الشركات التي بدأت في استثمار جهودها في توفير حلول للحد من استهلاك الطاقة في مجال الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، بعض الشركات تعمل على تطوير معالجات متخصصة لتكون أكثر فعالية في استهلاك الطاقة، كما أوصت دراسات باستخدام الحوسبة السحابية لتقليل الطلب على الطاقة في مراكز البيانات. ومن الجدير بالذكر أن الانتقال نحو تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة يحتاج إلى معالجة مشكلة الطاقة المستهلكة. إن تنفيذ تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يستمر في النمو بشكل مستدام إذا لم يتمكن من التغلب على تحديات استهلاك الطاقة. سيكون من الضروري التوافق بين الحلول التكنولوجية الفائقة والطاقة المتجددة المستدامة. سيستمر الجدل بشأن ما إذا كانت الفوائد المحتملة لتقنيات الذكاء الاصطناعي تفوق تكاليف الطاقة التي تحتاجها. لكن ما هو مؤكد هو أن الاستدامة ستظل أحد العوامل المهمة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولهذا يجب على الجميع، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، التركيز على الابتكار وتطوير الحلول. ختامًا، برغم التقدم المذهل الذي حققته تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن الاستهلاك العالي للطاقة يكشف الأبعاد السلبية المحتملة لهذا التطور. يجب أن ندرك جميعًا الحاجة الملحة لتحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي واحتياجات البيئة، وبالتالي فإن مستقبل الذكاء الاصطناعي يعتمد في النهاية على كيفية إدارتنا لتحديات الطاقة واستدامتها.。
الخطوة التالية