في السنوات الأخيرة، أصبح البيتكوين وأصول العملات المشفرة الأخرى موضوع نقاش متزايد في الأوساط الاقتصادية والسياسية. تزايد الاهتمام بالبيتكوين كأداة استثمار وحفظ القيمة زاد من دعوات البعض للحكومات لامتلاك احتياطي من هذه العملة. لكن، هل من المنطقي أن تحتفظ الحكومات بكميات كبيرة من البيتكوين في خزائنها؟ لنستعرض بعض الأسباب التي تجعل من هذه الفكرة غير منطقية. أولًا، مفهوم الاحتياطي الاستراتيجي مرتبط عادةً بالموارد الأساسية. الدول تحتفظ باحتياطيات استراتيجية من الذهب والنفط والغاز، وهي موارد لها قيمة حقيقية وتأثير مباشر على الاقتصاد وعلى استقرارها. البيتكوين، على الرغم من أنه يتمتع بشعبية وقبول متزايد، لا يزال ملفًا غامضًا ويعتمد على تصور السوق وقيمته كعملات رقمية. ثانيًا، الطبيعة المتقلبة للبيتكوين تعتبر عقبة كبيرة. قيمة البيتكوين شهدت تقلبات هائلة، حيث انخفضت في بعض الأحيان إلى نصف قيمتها السوقية الأصلية. إذا قررت الحكومة الاحتفاظ بكميات كبيرة منه، فإن ذلك قد يعرضها لمخاطر كبيرة إذا كان هناك انخفاض حاد في قيمته. بالتالي، سوف يصبح أي احتياطي من البيتكوين عبئًا ماليًا بدلًا من كونه مصدراً للأمان. ثالثًا، لا يمكن تجاهل القضايا القانونية والتنظيمية المرتبطة بالبيتكوين. في العديد من الدول، العملة الرقمية لا تزال تُعتبر مناطق رمادية أو محظورة. إذا قررت حكومة ما الاحتفاظ بالبيتكوين، فإن ذلك قد يثير تساؤلات حول شرعيته والرقابة المالية. الحكومات تحتاج إلى التفكير بعناية حول كيفية التعامل مع الأصول الرقمية، لأن هذا قد يؤثر على العلاقات الاقتصادية الدولية وعلى الاستقرار المالي المحلي. رابعًا، البيتكوين ليس بمخزن موثوق للقيمة. علمنا من التاريخ أن الذهب والموارد الطبيعية الأخرى تميزت بالاستقرار النسبي على مدى السنوات المئة الماضية. بينما لا يمكن للبيتكوين أن يقدم نفس المستوى من الأمان. بالنسبة لتجارته المحدودة والأدوات المالية المرتبطة به، قد تظل البيتكوين تحت تأثير الصورة العامة والأسلوب الاستثماري للشعوب، ما يؤدي إلى تقلبات شديدة في السوق. خامسًا، في سياق الاحتياطات الاستراتيجية، الدول لديها أولويات ملحة مثل الغذاء، الطاقة، والموارد الأساسية المستدامة. في حين يمكن أن تكون البيتكوين جذابة للاستثمار، إلا أن هناك وسائل أكثر استقرارًا وأقل خطورة يمكن أن تضمن استقرار الدولة الاقتصادي على المدى الطويل. الحكومة يجب أن تركز أولًا على تعزيز البنية التحتية الأساسية والرعاية الصحية والتعليم، وإذا كان هناك أي فائض في الموارد، يمكن استخدامه في الاستثمار في تكنولوجيا جديدة، بدلاً من اعتماده على وجود احتياطي ضخم من البيتكوين. سادسًا، الأمن السيبراني يمثل تحديًا آخر. احتياطيات البيتكوين تحتاج إلى حماية شديدة ضد عمليات الاختراق والاحتيال. مراكز البيانات التي تحتفظ بالبيتكوين تحتاج إلى التقنيات الأكثر تقدمًا لحمايتها من هجمات القراصنة. لكن حتى مع هذه التدابير، فإن خطر فقدان الجزء الأكبر من الاحتياطي لا يمكن إغفاله. هذا يترك الحكومة في وضع ينطوي على مخاطر مالية كبيرة. سابعًا، يُعتبر البيتكوين بمثابة عملة غير مركزية، مما يعني أنه لا يتحكم فيها أي كيان واحد. في حين أن الحكومات ترغب عادةً في السيطرة على الأصول التي تمتلكها، فإن البيتكوين ينقلب على هذا المفهوم. هذا يثير تساؤلات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومات في تنظيم وحماية عملة غير مركزية مثل البيتكوين. في الختام، على الرغم من عدم إنكار سمعة البيتكوين القوية وشعبيته المتزايدة على مستوى العالم، تظل فكرة وجود احتياطي حكومي من البيتكوين غير منطقية. من خلال النقاط المطروحة، يتضح أنه ليس هناك قيمة حقيقية في الاحتفاظ بمثل هذه الأصول المتقلبة عندما يوجد الكثير من الأولويات والموارد المتاحة التي يمكن استخدامها لضمان استقرار الاقتصاد. على الحكومات أن تركز أكثر على تطوير استراتيجيات للابتكار والتكنولوجيا الحقيقية التي تسهم في رفاهية البلاد بدلاً من البحث عن طرق جديدة لجمع الأصول التي لا تزال في مرحلة التقييم والضبابية.。
الخطوة التالية