أغلقت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) مؤخرًا مكتبيها في الصين، وهو قرار يأتي في وقت تشهد فيه الوكالة تحديات كبيرة في معركة مكافحة تدفق المواد الكيميائية المسببة للفنتانيل. هذا الإجراء الذي أثار تساؤلات عديدة حول استراتيجية الوكالة وتأثيره على الجهود المبذولة لوقف أزمة الفنتانيل المتفاقمة في الولايات المتحدة. لم يكن إغلاق مكتبي شنجهاي وقوانغتشو قرارًا مفاجئًا بالنسبة للعديد من المراقبين، فقد كانت هناك شائعات تتداول حول هذا الأمر منذ عدة أشهر. ومع ذلك، فإن الأبعاد الحقيقية وراء هذا القرار تبقى غير واضحة. الوكالة ذكرت أنها اتخذت هذا القرار بعد تقييم يعتمد على البيانات لتحسين استخدام الموارد المحدودة، لكن الكثيرون يرون أن غياب الوكالة في هذه المدن الحيوية سيؤدي إلى إضعاف قدرتها على التعاون مع السلطات المحلية في الصين. تعتبر الصين المصدر الرئيسي للمواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل، وهو مخدر قوي تسبب في وفاة مئات الآلاف من الأمريكيين. في السنوات الأخيرة، وضعت الحكومة الصينية العديد من المواد الكيميائية المرتبطة بالفنتانيل تحت رقابة أكثر تشددًا، ولكن الغالبية العظمى من هذه المواد لا تزال تتدفق إلى الولايات المتحدة. الأزمة تأخذ طابعًا خطيرًا، حيث ينخفض عدد الوفيات بسبب الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة. بعد أكثر من أربع سنوات من ذاكرة أحد أسوأ الأزمات الصحية العامة في التاريخ الأمريكي، كانت DEA تأمل في تحقيق المزيد من التقدم في علاقاتها مع الصين وتعزيز التعاون في مجال مكافحة المخدرات. لكن إغلاق هذه المكاتب يعد بمظهر آخر من مظاهر التوترات السياسية بين الولايات المتحدة والصين. في رسالة إلكترونية إلى موظفي الوكالة، أكدت آن ميلغروم، مديرة DEA، أن الهدف هو إصدار موارد أقل على مناطق ذات تحصيل أقل من النتائج، وبدلاً من ذلك، تصرف الأنظار نحو الأماكن التي يمكن أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في إنقاذ الأرواح الأمريكية. هذا التصريح يعكس التحديات أمام الوكالة في تلبية احتياجات عملياتها العالمية، حيث تمس الحاجة إلى إعادة تقييم الموقع الجغرافي والموارد المستخدمة في مختلف البلدان. الخصوم الجيوسياسيون، إلى جانب العلاقات المتوترة بين واشنطن وبكين، قد حفزت هذه القرارات. تدهور التعاون لم يكن مفاجئًا، خاصة بعد أن أوقفت الصين تعاونها في مكافحة المخدرات في عام 2022 كرد فعل على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان. يأتي هذا في وقت كانت فيه DEA قد حققت بعض النجاحات في ملاحقة تجار المخدرات، ولكن الأمور من الواضح أنها عادت إلى الوراء في ظل هذه الديناميكيات المتوترة. العاملون السابقون في DEA وأعضاء في الكونغرس أعربوا عن قلقهم من قرار الإغلاق. حذروا من أن هذا سيوجه ضربة قوية لجهود الولايات المتحدة في الاحتفاظ بعلاقات فعالة مع الصين في مواجهة المخاطر المرتبطة بالمخدرات. وهناك مشاعر تشير إلى أن الإغلاق الذي يستهدف مكاتب في مناطق حيوية لن يكون له عواقب جيدة على التعاون المستقبلي. يقول مايك فيجيل، رئيس_operations_ السابق في DEA، إنه من الواضح أن الولايات المتحدة بحاجة إلى العمل جنبًا إلى جنب مع السلطات الصينية للحد من تدفق المواد الكيميائية المسببة للفنتانيل. يرى أن تقليل التمثيل الأمريكي في الصين قد يعيق بناء علاقات عمل ذات مغزى تساهم في مكافحة هذا التهديد المتزايد. من جهة أخرى، تعتبر العديد من الوكالات الفيدرالية أن DEA تلعب دورًا أساسيًا في مكافحة الجرائم المرتبطة بالمخدرات، ليس فقط فيما يتعلق بالمواد المخدرة ولكن أيضًا في قضايا التهريب البشري وإرهاب الأجانب. بالإضافة إلى إغلاق مكتبي شنجهاي وقوانغتشو، هناك خطط لإغلاق ستون مكتبًا أجنبيًا آخر في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك مكاتب في بلدان مثل روسيا وقبرص وإندونيسيا. بينما تُدرس الوكالة كيفية إعادة تخصيص مواردها، فمن الواضح أن التهديدات على الأمن القومي تتطلب إدارة أكثر ديناميكية لموارد DEA. ولكن في عالم تتزايد فيه جريمة المخدرات، لا يمكن التغاضي عن الأثر المُحتمل لهذه الإغلاقات. العديد من المراقبين الدوليين يرون أن العلاقات الأمريكية مع الصين بدأت تشهد بعض المؤشرات الإيجابية، خاصة بعد اجتماع الرئيس جو بايدن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. ومع ذلك، فإن الإغلاق المفاجئ لمكاتب DEA قد ينعكس سلبًا على جهود بناء جسور التعاون بين القوتين العظميين. مع تفاقم أزمة الفنتانيل، يبقى السؤال عن كيفية تعويض هذه الإغلاقات. فإن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية تواجه معاملة عنيفة من كل من الساحة السياسية والعالمية. التوترات الجغرافية العالمية تسهم في تعقيد مساعي الوكالة الرامية إلى تقليل تدفق الفنتانيل وتحقيق تأثير فعال في جميع أنحاء العالم. في ضوء أحداث مماثلة، ينبغي على DEA إعادة تقييم استراتيجياتها ومواردها بشكل مستمر، بالإضافة إلى تقييم الأولويات والتهديدات المتزايدة. إن تعزيز التعاون الدولي مع الدول التي تُعتبر أسبابًا للتحديات الحالية يتطلب استثمارات كبيرة في الشراكات الهادفة والفعالة. السوريين، يحتاج أيضاً إلى إعادة التفكير في استراتيجياتنا لمواجهة أزمات المخدرات المعقدة التي تهدد الصحة العامة. آمال الغد تحتاج إلى إجراءات ملموسة اليوم.。
الخطوة التالية