في عالم التكنولوجيا المالية والبلوكشين، يبدو أن مفهوم "اعرف عميلك" (Know Your Customer) هو أحد الأركان الأساسية التي تسهم في تعزيز الشفافية ومحاربة الجرائم المالية. ومع ذلك، فإن السعي نحو تطوير أنظمة تعرف على العميل تعتمد على تكنولوجيا المعرفة الصفرية (Zero-Knowledge Proofs) قد يواجه تحديات كبيرة قد تجعلها غير عملية أو فعالة على المدى الطويل. يتمحور مفهوم المعرفة الصفرية حول إمكانية إثبات صحة معلومة معينة دون الحاجة إلى تقديم تلك المعلومة نفسها. على سبيل المثال، يمكن لشخص أن يثبت هويته دون الحاجة إلى تقديم أي تفاصيل شخصية، مثل اسمه أو عنوانه. والمبدأ هنا هو الحفاظ على الخصوصية، وهو ما يتماشى مع الاتجاهات الحالية نحو حماية البيانات. ومع ذلك، فما هي الأسباب التي قد تجعل عدم التكامل بين نظام المعرفة الصفرية ونظام "اعرف عميلك" غير ممكن؟ دعونا نستكشف بعض هذه الافتقارات. أولًا، تعتبر قوانين الامتثال والرقابة المالية أحد أكبر العقبات أمام تطبيق أنظمة المعرفة الصفرية. فبدلاً من تجنب تقديم المعلومات، تتطلب المؤسسات المالية من العملاء تقديم بيانات دقيقة وواضحة لضمان الالتزام بقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبناءً على ذلك، فإن استخدام المعرفة الصفرية قد يتعارض مع المتطلبات التنظيمية الحالية، وهو ما قد يعرض المؤسسات لعقوبات قانونية. ثانياً، تعد فعالية أنظمة المعرفة الصفرية بحاجة إلى بنية تحتية تقنية قوية تدعم هذا النوع من المعاملات. رغم التقدم التكنولوجي، إلا أن هناك حاجة ملحة لضمان أن تكون الأنظمة قادرة على التعامل مع الكم الكبير من البيانات والتفاعلات في الوقت الفعلي. وهذا يتطلب استثمارات ضخمة في التكنولوجيا، والتي قد لا تكون متاحة أو مجدية اقتصاديًا بالنسبة للعديد من المؤسسات. ثالثًا، لا يمكن إغفال المخاوف المتعلقة بالأمان والخصوصية. بالرغم من أن أنظمة المعرفة الصفرية قد تساعد على حماية البيانات، إلا أنها ليست خالية من المخاطر. على سبيل المثال، قد يتمكن القراصنة من استغلال نقاط الضعف في البنية التحتية الخاصة بالنظام للولوج إلى بيانات حساسة، أو حتى تقديم معلومات مزيفة من خلال تقنيات تشفير متقدمة. لذلك، تبقى مخاطر الأمن السيبراني تهديدًا يتطلب اتخاذ تدابير صارمة. رابعًا، فإن بناء الثقة بين العملاء والشركات يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه أنظمة المعرفة الصفرية. فالحصول على البيانات عبر أنظمة تقليدية يجعل العملاء أكثر إطمئنانًا بشأن ثقة المؤسسات في التعامل معهم. وفي المقابل، فإن الاعتماد على المعرفة الصفرية قد يمنح انطباعًا بعدم الشفافية، مما يسبب قلقًا بين المستخدمين حول كيفية تعامل المؤسسات مع معلوماتهم الأمنية والمالية. أخيرًا، تحتاج أنظمة المعرفة الصفرية إلى التعاون والتنسيق بين المؤسسات المختلفة، وهو ما يعتبر تحديًا آخر. فالعديد من الشركات تمتلك أنظمة مختلفة ومتنوعة، وقد يكون من الصعب التنسيق بين هذه الأنظمة لتحقيق تفاعل سلس وفعال. قد يؤدي غياب التنسيق بين الشركات إلى ظهور مشاكل في تحديد الهوية والتحقق منها، وهو ما قد يؤثر سلبًا على تجربة العملاء. على الرغم من هذه التحديات، إلا أن هناك بعض المبادرات التي تهدف إلى تطوير أنظمة مرنة وأكثر ملائمة تدمج بين الأمان والخصوصية. بعض الشركات تتبنى نهجًا هجينًا يجمع بين نظم المعرفة التقليدية وأدوات التكنولوجيا الحديثة، مما يسهل عملية التحقق من الهوية دون المساس بالخصوصية. في النهاية، يمكن أن نخلص إلى أن أنظمة المعرفة الصفرية قد تكون حلًا واعدًا للمستقبل، لكن أمامها عقبات تتعلق بالتشريعات، والبنية التحتية، والأمان، وبناء الثقة. ربما يكون من الأفضل متابعة الابتكارات في هذا المجال باستمرار، ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن الانتقال الكامل إلى المعرفة الصفرية سيكون تحديًا كبيرًا في سياق "اعرف عميلك". ببساطة، سيتعين على القطاع المالي إعادة تقييم استراتيجياته وابتكار طرق جديدة تجمع بين الأمان والخصوصية بشكل فعّال وعملي. مع تطور الزمن، قد نشهد حلاً يتناسب مع الاحتياجات المختلفة لكل من الشركات والعملاء، ولكن في الوقت الراهن، فإن المعرفة الصفرية لا تزال تواجه عقبات عديدة تجعلها بعيدة عن التطبيق العملي.。
الخطوة التالية