تحت عنوان "الحكومات أكبر من أي وقت مضى لكن أكثر عجزاً"، نتناول في هذا المقال واقع الحكومات حول العالم، وكيف تبدو كأجهزة ضخمة لكنها عاجزة عن تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. فقد أصبحت الحكومات في الدول المتقدمة تحمل عبئاً مالياً ثقيلاً، بينما تتزايد انتقادات المواطنين حول كفاءتها. منذ بداية القرن الواحد والعشرين، شهدت الحكومات زيادة ملحوظة في حجمها ونفوذها، حيث استمرت في توسيع خدماتها وسياساتها. ومع ذلك، فإن هذه الزيادة في الحجم لم تترافق مع تحسين في الأداء أو الكفاءة. فعلى الرغم من الميزانيات الضخمة التي تُخصص للبنية التحتية والخدمات العامة، إلا أن النتائج غالبًا ما تكون مخيبة للآمال. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، وعد الرئيس جو بايدن عند دخوله البيت الأبيض في عام 2021 بإحياء بنية البلاد التحتية. ومع ذلك، فقد انخفض الإنفاق على مشروعات مثل الطرق والسكك الحديدية، في حين ظلت خطط توسيع الوصول إلى الإنترنت السريع في المناطق الريفية متأخرة، بل ولم تُحقق نتائج ملموسة حتى الآن. يثير هذا الأمر تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومات قادرة على تلبية احتياجات المواطنين أم لا. وفي بريطانيا، يستمر نظام الصحة الوطنية في استهلاك المزيد من الأموال مع تراجع جودة الرعاية. إذ تعاني المؤسسات الصحية من نقص حاد في الموارد والمعدات، ما يؤدي إلى تفشي الانتقادات حول كفاءة هذا النظام الذي كان يوماً رمزاً للنموذج الاجتماعي الناجح. أما في ألمانيا، فقد اتخذت الحكومة قرارًا بإغلاق آخر ثلاثة مفاعلات نووية في وقت تعاني فيه البلاد من نقص في إمدادات الطاقة. بدلاً من البحث عن حلول طويلة الأمد، تبدو الحكومة مترددة وغير قادرة على التعامل مع التحديات المعاصرة. وقد شهدت خدمات السكك الحديدية، التي كانت تُعتبر مصدر فخر وطني، تراجعًا كبيرًا، حيث أصبحت القطارات تتأخر بشكل متكرر. يمتد هذا الإحساس بالعجز إلى مختلف الدول الأوروبية، حيث تتزايد الشكاوى من ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم قدرة الحكومات على توفير حلول فعالة. يتصاعد الغضب الشعبي، مما يؤدي إلى زيادة الاحتجاجات والمظاهرات في الشوارع. وعلى الرغم من أن الحكومات تُنفق مبالغ ضخمة لتعزيز الأمن الاجتماعي والاقتصادي، إلا أن المواطنين لا يشعرون بتحسن في مستويات معيشتهم. تتجلى مشكلة الحكومات أيضًا في كيفية إدارتها للموارد العامة. حيث تتعرض البرامج الحكومية المدعومة بالضرائب لانتقادات شديدة بسبب سوء الإدارة والفساد. في العديد من الدول، يتم استغلال الأموال العامة في مشروعات غير فعالة أو غير ضرورية، مما يؤدي إلى تراجع الثقة بين المواطنين والحكومات. من جانب آخر، يبدو أن الحكومات تواجه مشكلات في التكيف مع الابتكارات التكنولوجية. فعلى الرغم من التقدم الهائل في مجالات التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، إلا أن التحديثات على العمليات الحكومية تبقى بطيئة وغالبًا ما تفشل في ملاحقة الابتكارات. وهذا ما يُعتبر أحد الأسباب الرئيسية لعجز الحكومات عن تقديم خدمات أفضل للمواطنين. ربما يكون عدم الاستقرار السياسي أيضًا عاملًا مساهمًا في تفاقم وضع الحكومات. فالصراعات الداخلية والتوجهات الانقسامية في الكثير من الدول تعرقل عملية اتخاذ القرار وتحول دون تقديم حلول جادة لمشاكل المواطنين. في ظل الأزمات المتعددة، تتجه الحكومات لسياسات مؤقتة بدلًا من خطط طويلة الأمد، مما يزيد من تراكم الأزمات بدلاً من حلها. في الوقت نفسه، يظهر أن هناك حاجة ماسة لإعادة تقييم دور الحكومات في حياتنا. يبدو أن التوجه نحو الشفافية والمساءلة أمر ضروري لتجاوز هذه الأزمات. يتطلب ذلك من الحكومات أن تكون أكثر انفتاحًا على المواطنين، وأن تستمع إلى احتياجاتهم وتطلعاتهم. بدلاً من التركيز على التوسع في حجم الحكومة أو ميزانيتها، يجب أن تمتلك الحكومات رؤية واضحة عن كيفية استخدام هذه الموارد بطريقة تُحسن من جودة الحياة للمواطنين. ومن هنا، يتعين على القادة السياسيين أن يدركوا أن النجاح لا يُقاس فقط من خلال حجم الحكومة أو الميزانية المتاحة، بل من خلال القدرة على تلبية احتياجات المواطنين وتحسين مستوى خدمتهم. لا يمكن تجاهل أهمية مشاركة المجتمع في صنع القرار. فالتفاعل مع المواطنين وفتح قنوات النقاش يمكن أن يؤدي إلى تحسين فعالية الحكومات. من خلال الاستماع إلى أصوات المواطنين وتبني أفكار جديدة، يمكن للحكومات أن تنتقل من حالة العجز إلى الكفاءة. ختامًا، يُظهر واقع الحكومات الحالية أنها أكبر من أي وقت مضى لكنها في الوقت ذاته تواجه انتقادات متزايدة بسبب عجزها عن تقديم الخدمات الضرورية. إن القدرة على مواجهة هذه التحديات تتطلب تعاوناً مشتركاً بين الحكومات والمجتمع، وفتح باب الحوار حول كيفية الارتقاء بالأداء الحكومي لضمان حياة أفضل للمواطنين.。
الخطوة التالية