تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي من خلال سياسات جديدة تهدف إلى دعم القطاعات المتقدمة، ومن بينها قطاع العملات المشفرة. وفي هذا السياق، قدمت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، مفهوم "اقتصاد الفرص" الذي يهدف إلى توفير بيئة مواتية لجميع الأفراد، خاصة في المجتمعات المهمشة، للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة بما في ذلك العملات الرقمية. تعتبر العملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثيريوم، من بين الابتكارات التكنولوجية الأكثر تأثيرًا في العقد الماضي. ومع ذلك، فإن الفوائد المترتبة على هذه العملات لم تصل بعد إلى جميع فئات المجتمع. وهنا يأتي دور "اقتصاد الفرص" الذي يشجع على دمج هذه الفوائد في جميع شرائح السكان. تتضمن رؤية هاريس بشأن "اقتصاد الفرص" عدة جوانب رئيسية، أولها هو تعزيز التعليم والتدريب في مجالات التكنولوجيا المالية والبرمجة. هذا التركيز على التعليم يمكن أن يشجع المزيد من الأفراد، خاصة من المجتمعات ذات الدخل المنخفض، على الدخول إلى عالم العملات المشفرة. بمعرفة كيفية استخدام هذه البنية التحتية الرقمية، يمكن لهؤلاء الأفراد المشاركة في الاقتصاد العالمي، وتحقيق مكاسب مالية من خلال الاستثمارات والتجارة الرقمية. علاوة على ذلك، يتمثل الخطر الأكبر في العملات المشفرة في عدم تنظيمها والقلق المرتبط بالاحتيال والتهديدات السيبرانية. إحدى النقاط الأساسية في "اقتصاد الفرص" هي إنشاء بيئة تنظيمية تدعم الابتكار مع حماية المستهلكين. من خلال وضع لوائح واضحة ومعايير للاستخدام، يمكن للحكومة أن تسهم في بناء الثقة في هذا القطاع. إن توفير الدعم للشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة يعد محورًا آخر في رؤية هاريس. فمعظم الابتكارات تأتي من الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعد محركات رئيسية للنمو الاقتصادي. من خلال تقديم التمويل والإرشاد، يمكن تشجيع المزيد من هذه الشركات على استكشاف الفرص التي تقدمها بلوكتشين والعملات الرقمية. ومع تزايد الاعتماد على الأنظمة المالية الرقمية، يصبح من الضروري توفير الوصول إلى هذه التقنيات لفئات أكثر تنوعًا في المجتمع. يمكن لمبادرات "اقتصاد الفرص" أن تساعد على تحقيق هذا الهدف من خلال إدخال برامج تهدف إلى تحسين الوصول إلى التكنولوجيا، مثل توفير الإنترنت بأسعار معقولة وتوسيع نطاق التعليم المالي. كما أن هناك جانبًا اجتماعيًا في هذا المفهوم، حيث تسعى هاريس إلى تحقيق عدالة اقتصادية من خلال توفير الفرص للجميع. تعتبر العملات المشفرة أداة مفيدة لتحقيق هذا الهدف، فبفضلها يمكن للأفراد الذين لا يملكون حسابات مصرفية تقليدية أن يشتركوا في النظام المالي، مما يمكّنهم من القيام بالمعاملات بسهولة وأمان. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تلعب العملات المشفرة دورًا في تعزيز الشمولية المالية. مع وجود العديد من الأفراد الذين لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية، تقدم العملات المشفرة بديلًا يُسهل إجراء المعاملات وتخزين القيمة. من خلال توفير أدوات مالية مبتكرة تلبي احتياجات جميع فئات المجتمع، يمكن لـ "اقتصاد الفرص" أن يساعد في تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء. تسعى هاريس أيضًا إلى تشجيع بناء الثقة بين الحكومات وصناعة العملات المشفرة. وهذا يتطلب حوارًا مستمرًا بين الجهات الحكومية والشركات الخاصة لتعزيز الشفافية وتبادل المعلومات. من خلال إنشاء شراكات استراتيجية، يمكن أن تتطور بيئة العمل في قطاع العملات المشفرة بشكل أسرع وأكثر أمانًا. بالمقابل، يمكن أن تُسهم العملات المشفرة في تنويع مصادر الدخل للأفراد. فمع تذبذب الأسواق المالية التقليدية، تتيح العملات الرقمية إمكانيات استثمار جديدة. من خلال التوعية بأساليب الاستثمار المختلفة ورفع مستوى التعليم المالي، يمكن أن يصبح المستثمرون الجدد أكثر أمانًا وإلمامًا بالمخاطر، مما يعزز تواجدهم في هذه السوق المتنامية. علاوة على ذلك، ستحفز سياسات "اقتصاد الفرص" الابتكارات المستدامة في مجال العملات المشفرة. مع تزايد القلق بشأن تأثير التكنولوجيا على البيئة، يمكن لصناعة العملات الرقمية أن تلعب دورًا رئيسيًا في تحقيق الأهداف البيئية من خلال تطوير تقنيات أكثر كفاءة ودائمية. ستشجع السياسات الجديدة الشركات على البحث عن حلول مبتكرة تُقلل من الأثر البيئي المرتبط بعملية التعدين واستخدام الكهرباء. كما يعد دعم المشروعات الرقمية التي تهدف إلى تعزيز الحوكمة والتوزيع العادل للموارد من أولويات هذا الاقتصاد الجديد. فمن خلال اعتماد تقنيات مثل البلوكتشين، يمكن للأفراد والمجتمعات أن يضمنوا إدارة أفضل للموارد والمشاركات المالية. وهذا يمثل خطوة مهمة نحو مزيد من الشفافية والمساءلة في المعاملات الاقتصادية. بالتالي، فإن مفهوم "اقتصاد الفرص" الذي تقدمه هاريس يمكن أن يكون له تأثير كبير على قطاع العملات المشفرة، مُحدثًا تحولًا في كيفية تفاعل الأفراد والشركات مع هذه التكنولوجيا. بمزيج من التعليم والتمويل والتوجيه، يمكن أن يوفر هذا الاقتصاد فرصًا واسعة النطاق لتحسين الحياه للأفراد والمجتمعات، ما يجعل استخدام العملات الرقمية أكثر شمولية واستدامة. إذا تمت معالجة هذه التحديات بشكل صحيح، فإننا سنشهد إصلاحات مثمرة في هذا المجال، مما يجعل من الممكن استغلال إمكانيات العملات الرقمية بطريقة تعود بالنفع على الجميع.。
الخطوة التالية