في عالم المال الحديث، أصبح الدولار الجديد الذي يمكن اعتباره "ظل الدولار" موضوعًا مثيرًا للجدل. إنه ليس الدولار التقليدي الذي نعرفه، بل هو عملة رقمية تُستخدم في الخفاء، وتلعب دورًا محوريًا في تمويل الأنشطة غير القانونية حول العالم. تُعتبر عملة "تيذر" (Tether) واحدة من أبرز هذه العملات. ففي عام 2023، كانت الأموال التي تمر عبر شبكة تيذر فاقت تقريبًا تلك التي تمر عبر بطاقات فيزا، مما يسلط الضوء على التأثير الكبير الذي تمتلكه هذه العملة الرقمية. منذ انطلاق العملات الرقمية، كانت هناك العديد من النقاشات حول فوائدها وأضرارها. بينما يراها البعض كخيار مستقبلي يؤمن الخصوصية ويمنح الأفراد تحكمًا أكبر في أموالهم، يُعتبرها آخرون أداةً تساهم في تمويل الجرائم والأنشطة المعادية. شهادات حية من مهربين ومجرمين تكشف عن كيفية استخدام تيذر كوسيلة لتجاوز القيود المفروضة من قبل السلطات المالية. تأسست تيذر في عام 2014 وهي عملة مستقرة، مما يعني أنها مرتبطة بقيمة الدولار الأمريكي. هذا الربط يجعلها جذابة للمستثمرين الذين يسعون لتجنب تقلبات العملات الرقمية الأخرى مثل البتكوين والإيثيريوم. ومع ذلك، فإن البساطة والراحة التي توفرها تيذر أدت إلى استخدامها في سوق مظلمة، حيث يسعى العديد من الأفراد إلى إخفاء هوياتهم ومعاملاتهم. استخدام تيذر للأسواق السوداء واضح بشكل خاص في عمليات تهريب المخدرات والأسلحة. تشير التقارير إلى أن العديد من عمليات بيع المخدرات تجري عبر مواقع الإنترنت المظلم باستخدام تيذر كوسيلة للدفع. فما يميز هذه العملة عن غيرها هو قدرتها على التعامل بسرعة، حيث يمكن للمستخدمين تحويل الأموال حول العالم بصورة آنية تقريبًا دون الحاجة إلى تدخل مصرفي. في حين أن الحكومات تحاول الحفاظ على السيطرة على أنظمتها المالية، نجد أن تيذر تجذب المزيد من الأشخاص الذين يسعون لتجاوز هذه الأنظمة. بالنسبة للعديد من المجرمين، فإن استخدام تيذر يجري من دون المخاطرة بالفضائح أو التدقيق المالي. إن التشفير الذي توفره العملات الرقمية بصرف النظر عن مسار المعاملات يضمن الحفاظ على الخصوصية. ليس هناك أدنى شك في أن تيذر قد أثارت عددًا من المناقشات حول الأمان والقانونية. فقد دعا العديد من المنظمين حول العالم إلى فرض قيود أكثر صرامة على استخدام العملات الرقمية. ففي الولايات المتحدة، أصدرت وكالة الأمن الداخلي توصيات تتعلق بتعقب المعاملات التي تجرى باستخدام تيذر. ومع ذلك، لا تزال الحكومة تواجه تحديات كبيرة في قدرتها على تنظيم هذا السوق. علاوة على ذلك، تكمن المخاوف الأكبر في أن تفشي استخدام تيذر قد يعزز الأنشطة الإجرامية في الدول النامية. بعض الحكومات، التي تعاني بالفعل من الفساد والتمييز، قد تجد نفسها عاجزة عن مواجهة هذه التحديات الجديدة. ونظرًا لأن تيذر تُستخدم في تحايل العقوبات، فإن العديد من الدول باتت تجد نفسها في وضع صعب، حيث تتعرض لضغوطات دولية تحاول السيطرة على هذا الاستخدام المفترس للعملة. إحدى القضايا المثيرة للاهتمام حول تيذر هي غموض دعمها المالي. هناك جدل دائم حول ما إذا كانت العملة مدعومة بأصول كافية، مما يثير تساؤلات حول استقرارها وقابليتها للبقاء. وفقًا للبيانات المتاحة، حولت تيذر أكثر من 190 مليار دولار من الأموال في السنة السابقة، وهذا المزيد جعلها واحدة من أكبر كتل النقد المتداولة في العالم. مثل هذه الأرقام الكبيرة تشير إلى حجم الانتشار والاعتماد العالمي لهذه العملة. ومع ذلك، فإن الاعتماد المتزايد لها قد يظهر في الوقت نفسه مشاكل مستقبلية، حيث يمكن أن يتعرض المستخدمون لاحتمالات الاحتيال وفقدان الأموال بسبب عدم وجود قواعد محددة تنظمها. ومع استمرار ازدهار تيذر، يبقى السؤال: هل ستستطيع الحكومات وضع حد لهذا الظل الذي يهدد الأنظمة المالية التقليدية؟ إن النجاح في ذلك يعتمد على كيفية تطويرها لتقنياتها ومراقبتها لهذا النوع من المعاملات. يتطلب الأمر فهمًا عميقًا لتقنيات التشفير والتكنولوجيا الحديثة، بجانب تركيز أكبر على التعاون الدولي لمواجهة تجاوزات السوق السوداء. بالنظر إلى المستقبل، يبدو أن تيذر ستظل جزءًا أساسيًا من المشهد المالي. إنما سيظل هناك حاجة ملحة لفهم المخاطر المرتبطة بها وكيفية مواجهتها قانونيًا وأخلاقيًا. وقد يؤدي التعاون بين الدول والشركات المالية إلى إيجاد حلول من شأنها تقليل استخدام تيذر في الأنشطة غير القانونية، مع الحفاظ على الابتكار في عالم العملات الرقمية. من المهم أن نكون واعين لهذه الظاهرة، وأن نفهم أن العملات الرقمية مثل تيذر ليست مجرد تقنية جديدة، بل تتحدى البنى المالية القائمة. مع تزايد الاعتماد عليها، يجب أن نكون جزءًا من النقاش الدائر حول كيفية تحقيق توازن بين الابتكار والتنظيم.。
الخطوة التالية