في تحليلٍ حديث نشرته مجلة "فورتون"، جاءت تعليقات رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، لتسلط الضوء على وضعٍ معقد تواجهه السياسة النقدية الأمريكية. وفي إطار تصريحات موسعة، اعتبرت مديرة الاستثمارات في إحدى الشركات المالية الكبرى أن باول قد "أدخَل نفسه في زاوية" من خلال توقعاته بشأن تخفيض معدلات الفائدة في العام الحالي. تتناول هذه المقالة آراء الخبراء حول التحديات التي يواجهها الاحتياطي الفدرالي في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية، ومدى تأثير قرارات باول على الأسواق. يُنظر إلى جيروم باول كأحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد الأمريكي، خاصة بعد أن تولى منصب رئيس الاحتياطي الفدرالي في عام 2018. ومنذ ذلك الحين، واجه باول مجموعة من التحديات التي راوغته بين تحقيق النمو الاقتصادي واستقرار الأسعار. ومع بداية العام الحالي، بدأ باول بالحديث حول إمكانية خفض معدلات الفائدة في ظل المخاوف المتزايدة من الركود الاقتصادي. ومع ذلك، جاء هذا التوقع في وقت حساس للغاية حيث كانت هناك دلائل على انتعاش الاقتصاد الأمريكي بعد جائحة كوفيد-19 والتضخم الذي كان قد بدأ في التراجع. تساؤلات عدة تطرح حول ما إذا كانت هذه التوقعات في محلها. فقد أشار كثير من الاقتصاديين إلى أن توجيه مثل هذه التوقعات قد يُعتبر مخاطرة، نظراً لتأثيرها المحتمل على السوق المالية. يعتبر البعض أن مثل هذه التصريحات قد تعطي إشارات مضللة للمستثمرين، الذين قد يفهمون الأمر على أنه علامة مؤكدة على وجود صعوبات اقتصادية كبيرة. يقول بعض الخبراء إن باول فوت في فخٍ من خلال التأكيد على تخفيض الفائدة، مما جعله في حالة من الضغط المتزايد لتبرير هذا التوجه. يتطلب الأمر منه العمل بدقة لتفادي خلق حالة من عدم اليقين في الأسواق، حيث يمكن أن يؤثر ذلك سلبًا على ثقة المستثمرين. فعندما يتحدث رئيس البنك المركزي عن تخفيضات مرتقبة، يتزايد الضغط عليه لتنفيذ ذلك لتلبية توقعات الأسواق. وهذا الوضع يُعدّ حرجًا يتطلب منه إبقاء جميع خياراته مفتوحة. تشرح ليزا هاريس، المديرة العامة للاستثمارات، أن باول قد يجد نفسه عالقًا بين ضغوط عديدة، تتراوح بين ضرورة تبني سياسة نقدية مرنة لتركيز على الانتعاش الاقتصادي، وبين الحفاظ على مصداقية الاحتياطي الفدرالي كمؤسسة مستقلة ذات قدرة على اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات. ويعتقد البعض أن باول قد يكون قد بالغ في تفاؤله بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي، خصوصًا مع استمرار آثار الجائحة على المعادلات الاقتصادية العالمية. عند فحص الظروف الاقتصادية الحالية، نرى أن معدلات البطالة قد عادت إلى مستوياتها السابقة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن كافة المؤشرات إيجابية. إذ تظل قضايا سلسلة التوريد وبروز مشاكل تكاليف الشحن وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية عوامل مقلقة تؤثر على الأسواق العالمية. كما أن الارتفاع الأخير في اسعار الطاقة قد يؤثر بشكل مباشر على معدلات التضخم، مما يجعل من الصعب على الاحتياطي الفدرالي اتخاذ قرارات خفض الفائدة بسهولة. تتزايد المخاوف من أن أي خفض لمعدلات الفائدة قد يأتي في وقت مُبكر للغاية، مما قد يتسبب في دفع الاقتصاد إلى حالة من الركود. يتساءل المحللون عمّا إذا كانت الأسواق قد استعدت لتحمل مثل هذه التغييرات في السياسة النقدية، وأن التوجه نحو خفض الفائدة قد يُعتبر خطأً استراتيجيًا قد يؤدي إلى نتائج عكسية. بالإضافة إلى ذلك، تتبنى الأسواق الماليّة حذرًا شديدًا تجاه تصريحات باول، حيث أن أي انزلاق في البيانات الاقتصادية قد يؤدي إلى ردود فعل قوية من قبل الأسواق. وفي حال لم يكن هناك خفض للفائدة كما تم الإشارة إليه، قد يجد باول نفسه في موقف ضعيف، مما قد يؤثر على قدرته على توجيه السياسة النقدية بفعالية. تجدر الإشارة إلى أن התנقض لمستهلكين أكثر من أي وقت مضى، حيث يواجهون قلقًا بشأن قدرتهم الشرائية ومستقبلهم المالي. تفكير باول بضرورة خفض الفائدة يمكن أن يُعتبر بمثابة ضوء أخضر للمزيد من الاقتراض، ولكن في حال كانت السوق غير مستعدة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ترك آثار سلبية على الاقتصاد. في نهاية المطاف، يبدو أن باول قد احتدم في موقف حرج بتوقعاته حول تخفيض الفائدة، لكنه سيحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة بناءً على المعطيات الاقتصادية المتاحة. إذا كان باول يأمل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، فإنه سيحتاج إلى التعامل بحذر في سياسته النقدية القادمة، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المحتملة التي تهدد الاقتصاد المحلي والعالمي. تتطلب هذه المرحلة الدقيقة مجموعة من القرارات المدروسة والمرونة في التعامل مع العديد من التحديات الاقتصادية المتشابكة التي قد تسهم في رسم خريطة مستقبلية للاقتصاد الأمريكي.。
الخطوة التالية