"على الحافة": يضع رهاناته في الأماكن الخاطئة في عالم الأدب والنشر، تتجلى أهمية الكتب في تشكيل آراء القراء حول القضايا المعاصرة. ومع ذلك، قد يُخفق البعض في تقديم سرد دقيق يعكس تعقيدات الواقع. هذا هو الحال مع الكتاب الثاني للكاتب الشهير نيت سيلفر، "على الحافة: فن المخاطرة بكل شيء"، الذي صدر مؤخرًا ويُظهر انحرافًا واضحًا عن النجاح الذي حققه كتابه الأول "الإشارة والضجيج". يُعتبر نيت سيلفر من أبرز الإحصائيين في الولايات المتحدة، وقد أصبح مشهورًا بعد إسهاماته في التنبؤ بالنتائج الانتخابية في عام 2012. ومن خلال كتابه الجديد، يبدو أنه يحاول استكشاف مفهوم المخاطرة، ولكن بطريقة قد تكون ضحلة وغير مكتملة الفهم. تتجاوز صفحات الكتاب الـ576 صفحة، لكنه يقدم رؤية غير مرتبطة تمامًا. في الكتاب، يتبنى سيلفر ثقافة المخاطرة التي تشتهر بها كازينوهات لاس فيغاس وول ستريت ووادي السيليكون. يُعرّف سيلفر مفهوم "الأنهار" كرمز لاستغلال الفرص والمراهنة على الآمال، في خطوة تبدو وكأنها تمجد عالم القمار والمخاطرة دون النظر في التأثيرات الاجتماعية السلبية لذلك. يشير سيلفر في الكتاب إلى أن القمار يمثل جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي، حيث خسر الأمريكيون حوالي 130 مليار دولار في الكازينوهات واليانصيب في عام 2022. ومع ذلك، يتجاهل سيلفر الآثار الضارة لهذه الظاهرة، مثل زيادة معدلات الإدمان على القمار وما يرتبط بها من مشكلات اجتماعية واقتصادية. من الواضح أن الكتاب ينقسم إلى جزئين رئيسيين، الأول يتناول عالم القمار، بينما الثاني يتجه نحو وادي السيليكون، حيث يتناول شخصيات بارزة مثل سام بانكمان-فريد وآدم نيومان. ولكن المثير للدهشة هو كيفية عدم ترابط الأفكار والتجارب التي يقدمها سيلفر، مما يجعل القارئ يشعر بالضياع. تشير تقييمات النقاد إلى أن سيلفر يُظهر انحيازًا واضحًا تجاه عالم المخاطرة، متجاهلاً الجوانب السلبية. على سبيل المثال، في أحد فصول الكتاب، يستعرض تجربة بيل والترز، أفضل مراهن رياضي في التاريخ، الذي أدين بالتجارة الداخلية في الأسهم. بينما يُظهر سيلفر إعجابًا بقدرات والترز، يبدو أنه يتجاهل المخاطر القانونية والأخلاقية المرتبطة مع تلك القضايا، والتي تعكس غياب الوعي بالمسؤولية الفردية. السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما القيمة الاجتماعية للمخاطرة في مجالات مثل المراهنة على المباريات الرياضية أو القمار؟ بينما يمكن اعتبار سوق الأسهم نوعًا من القمار، إلا أنه يوفر معلومات قيمة حول آراء المستثمرين حول الشركات. لكن في حالة المراهنات الرياضية، يبدو أنه لا يأتي بفوائد تُذكر. غالبًا ما يكرر سيلفر أنه ليس "رجلاً محافظًا"، لكنه يفشل في تقديم تحليل عميق لمظاهر "الأضرار الجانبية" الناتجة عن ثقافة المخاطرة. بدلاً من ذلك، يركز على سرد قصص الأبطال في عالم "الأنهار" وتحقيقاتهم، مما يترك القارئ في حالة من الصدمة. ولا يقتصر الخلل على السرد، فقد أظهر سيلفر تفضيلًا واضحًا عن كيفية التعامل مع المخاطر في سياقات معينة دون التفكير في العواقب المحتملة. فعندما يتحدث عن دوائر الاستثمار والمخاطر التي يواجهها الأفراد في وادي السيليكون، يتجاهل التأثيرات الكبيرة التي قد تحدث على المجتمع والاقتصاد. الجدير بالذكر أن المناقشات حول المخاطر الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تشمل جميع جوانب القضية، وليس فقط الجانب الذي يستفيد منه الكاتب. ومن خلال إغفال هذه النقاط، يصبح الكتاب بمثابة تجميل للواقع دون تقديم أي عمق أو نقد ضروري. في النهاية، بينما يأمل سيلفر في توجيه رسالة حول كيفية التعامل مع المخاطر، إلا أن تقديمه للموضوع يبدو سطحيًا ومحدودًا. إن قدرة القارئ على فهم تعقيدات الحياة الاقتصادية والاجتماعية تتطلب تحليلاً أعمق، بعيدًا عن تجميل الثقافة الجديدة للمخاطرة. "على الحافة" يظهر كواحد من الكتب التي تدعو إلى التفكير النقدي حول مفاهيم المخاطرة والإدارة المالية. يجب أن يُعطى الأولوية للوعي الاجتماعي والمخاطر المحتملة المرتبطة بالأفعال، بدلاً من تعزيز ثقافة تعزز من الأنانية والتساهل. لقد آن الأوان لكي ينظر المؤلفون إلى ما وراء الجوانب المبهرة لعالم المال والمخاطرة، ويأخذوا بعين الاعتبار المسؤولية الاجتماعية المترتبة على تصوراتهم. ففي النهاية، يتطلب الفوز في هذه الألعاب أكثر من مجرد تجربة وفهم للعبة؛ يتطلب أيضًا التفكير في تأثيرات هذه التجارب على المجتمعات التي نحيا فيها.。
الخطوة التالية