تشهد منصات التواصل الاجتماعي تحولًا ملحوظًا في سلوك المستخدمين، حيث بدأ العديد من الأشخاص في البحث عن ملاذات اجتماعية أكثر تخصصًا وتوجهاً نحو الأنشطة التي تعني لهم الكثير. ومن بين هذه المنصات، تبرز "Strava"، التي تركز على تتبع الأنشطة الرياضية، و"Letterboxd"، التي تعد منصة لمشاركة تقييمات الأفلام ومراجعاتها. تتزايد شعبية هاتين المنصتين وهذا يعد دليلاً واضحًا على رغبة المستخدمين في الهروب من الهيمنة المتزايدة للمنصات التقليدية مثل فيسبوك وتويتر. تأسست "Strava" في عام 2009 وقد تم تصميمها بالأساس للرياضيين. توفر المنصة أدوات تتبع دقيقة للعدائين وراكبي الدراجات، مما يسمح لهم بمراقبة أدائهم ومقارنة إنجازاتهم مع الآخرين. ومع تزايد الوعي بالصحة واللياقة البدنية، أصبحت "Strava" أكثر من مجرد تطبيق تتبع، بل تحولت إلى مجتمع يجمع الأشخاص ذوي الاهتمامات المتشابهة. في السنوات الأخيرة، باتت المنصة تستقطب قاعدة مستخدمين ضخمة تسعى للتواصل مع الآخرين، تبادل النصائح، وتحدي بعضهم البعض في أنشطة رياضية متنوعة. على الجانب الآخر، تم إطلاق "Letterboxd" كمنصة لمشاركة التجارب السينمائية. يسمح للمستخدمين بتسجيل الأفلام التي شاهدها، تقييمها، ومراجعتها. في الوقت الذي نتحدث فيه عن ازدياد عدد منصات البث الرقمي، يجد العديد من عشاق السينما في "Letterboxd" مكاناً يتشاركون فيه أفكارهم ويناقشون مشاعرهم تجاه الأفلام، بعيداً عن التعليقات السطحية التي قد تهيمن على منصات التواصل التقليدية. تُظهر هذه الظاهرة أن مستخدمي الإنترنت يتجهون أكثر نحو المنصات التي تقدم تجارب غنية ومركزة، بدلاً من المنصات التي تتسم بالضغوط الاجتماعية والازدحام. يتعامل العديد من الأشخاص مع "Strava" و"Letterboxd" بطرق تعزز شعور الانتماء والمجتمع، حيث يجدون متعة في تحديد اهتماماتهم الخاصة ومشاركة تجاربهم الصادقة. عندما يتعلق الأمر بـ"Strava"، فالأمر يتجاوز مجرد تتبع الأداء الرياضي. تُنظم المنصة العديد من الفعاليات المجتمعية والتحديات التي تشجع المستخدمين على التفاعل مع بعضهم. على سبيل المثال، تقدم "Strava" فعاليات مثل تحدي شهر الجري، حيث يتحدى المستخدمون أنفسهم لتسجيل أكبر عدد من الأميال في شهر واحد. هذه الأنشطة لا تعزز فقط الأداء البدني، بل تقوي الروابط الاجتماعية بين الأعضاء وتساعد على خلق دعم متبادل. أما بالنسبة لـ"Letterboxd"، فإن قوة المجتمع تكمن في كيفية مشاركة الأفلام والتجارب المتعلقة بها. يتيح للمستخدمين عرض قوائم مفضلة، تقييم الأفلام بشكل نقدي، والتفاعل مع الآخرين عبر التعليقات والمراجعات. هذه المنصة تخدم كل عشاق السينما، سواء كانوا مدافعين عن الأفلام المستقلة أو الباحثين عن أحدث إنتاجات هوليود. بالابتعاد عن تعليقات المستخدمين الغير موضوعية، توفر "Letterboxd" مساحة لنقاشات أعمق وأكثر جدية. تشير الأبحاث إلى أن الطلب المتزايد على هذه المنصات يعكس رغبة المستخدمين في التقرب من تجارب أكثر أصالة ومشاركة. في الوقت الذي يشعر فيه الكثيرون بالتعب من المنافسة الاجتماعية التي غالباً ما تنشأ على المنصات التقليدية، تعزز "Strava" و"Letterboxd" بيئات تفاعلية تشجع على المشاركة الإيجابية والدعم. من جهة أخرى، يعكس نجاح هاتين المنصتين أيضاً تحولاً في الطريقة التي يتعامل بها الأشخاص مع البيانات الشخصية. تتيح هذه المنصات للمستخدمين الشعور بالتحكم في مشاركاتهم وما يختارونه من معلومات، بعيداً عن الضغط الذي قد يتعرضون له على منصات أكبر. القدرة على تحديد من تتفاعل معهم وماذا تشارك يجعل من هذه التجارب أكثر راحة وأكثر خصوصية. أيضاً، لعبت جائحة كوفيد-19 دورًا مهمًا في زيادة شعبية هذه المنصات. مع البقاء في المنزل، بحث الكثيرون عن أساليب جديدة للبقاء نشطين ومشغولين. وبفضل وجود منصات مثل "Strava" و"Letterboxd"، تمكن المستخدمون من تحليل أدائهم الرياضي ومشاهدة الأفلام بشكل جماعي رغم التباعد الجسدي. تمثل هذه المنصات ملاذاً بعيدًا عن المخاوف والضغوط التي تأتي مع الحياة اليومية. يبدو أن "Strava" و"Letterboxd" تمثلان شيئا أكثر من مجرد أدوات تتبع أو منصات تقييم. إنها تنشئ مجتمعات ذات مغزى حيث يشعر الأفراد بأنهم منتمون. مع تزايد حجم هذه المجتمعات، من المتوقع أن تستمر شعبية هذه المنصات في النمو. سيظل المستخدمون يبحثون عن ملاذات اجتماعية تضفي معنى لتجاربهم، وتساعدهم على التواصل والتفاعل مع الآخرين بطريقة صادقة ومؤثرة. في الختام، يمكن القول إن حاجة المستخدمين إلى الاندماج في مجتمعات أكثر تخصصاً تساهم في نجاح "Strava" و"Letterboxd". مع الصفات الفريدة التي تميز كل منصة، يبدو أن المستقبل يحمل وعودًا كبيرة لهذه الملاذات الاجتماعية الجديدة. من المهم لمطوري هذه التطبيقات الاستمرار في الابتكار وتلبية احتياجات المستخدمين، لضمان استمرارية التفاعل والارتباط الاجتماعي في عالم رقمى متغير.。
الخطوة التالية