شهدت الساحة السياسية الأمريكية مساء الثلاثاء الماضي مناظرة مرتقبة بين المرشح الجمهوري للرئاسة، الرئيس السابق دونالد ترامب، ومرشحة الحزب الديمقراطي ونائبة الرئيس، كامالا هاريس، في المركز الوطني للدستور في فيلادلفيا. تنافس المرشحان في عرض آرائهما حول قضايا حيوية تخص مستقبل البلاد، لكن المناظرة سرعان ما تحولت إلى تبادل اتهامات وادعاءات، كثير منها كان مضللاً أو غير دقيق. مع بدء المناظرة، أظهر ترامب وهاريس احتدام النقاش حول الأرقام والتقارير الحكومية المتعلقة بالاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن الداخلي. ومع تصاعد التوترات، تركزت الكثير من التصريحات على أكاذيب وحقائق مضللة، وهو ما كشفت عنه عدة تقارير طيلة فترة النقاش. أحد أبرز الادعاءات التي قدمها ترامب كان حول الانسحاب من أفغانستان عندما قال إنه «لم يكن من الممكن ترك 85 مليار دولار من المعدات العسكرية الرائعة». ومع ذلك، تم دحض هذه الأرقام من قبل مكتب المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، مشيراً إلى أن هذا الرقم مضخم بشكل كبير. الحقيقة أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 83 مليار دولار على مدى عقدين لتدريب وتجهيز القوات الأفغانية، لكن هذا المبلغ يشمل جميع النفقات، وليس فقط المعدات العسكرية التي تركت بعد الانسحاب. في جانب آخر، أثار ترامب جدلاً كبيراً حول الاقتصاد الأمريكي، حيث ادعى بأنه «خلق واحد من أعظم الاقتصادات في تاريخ البلاد»، مشيراً إلى أن هاريس والجهات الديمقراطية دمرت هذا الاقتصاد. لكن لهذه الادعاءات سياقاً آخر، حيث أظهرت البيانات الاقتصادية أن النمو في فترة رئاسته كان أقل مقارنة بفترات سابقة، خاصة تحت إدارة كل من بيل كلينتون ورونالد ريغان. بينما شهدت نسبة النمو في فترة كلينتون 4% سنويًا، كانت أقصى نسبة تحت إدارة ترامب 3% فقط. على الجانب الآخر، قدمت هاريس ادعاءً يتعلق بخلق وظائف في قطاع التصنيع، حيث أشار إلى أنه تم خلق أكثر من 800,000 وظيفة في هذا القطاع. ورغم أن هذا الرقم يعتبر دقيقًا، إلا أنه يجب وضعه في سياق أكبر. حيث انخفض عدد العاملين في هذا القطاع بشكل ملحوظ نتيجة جائحة كورونا، وبالتالي فإن زيادة عدد الوظائف ليست دليلاً كافيًا على نجاح السياسات الصناعية. مناقشة التضخم كانت أيضًا ساخنة حيث قال ترامب إن الإدارة الحالية شهدت أعلى معدل تضخم في تاريخ البلاد. لكن بيانات التضخم تشير إلى أن الفقاعات الاقتصادية وتضخم الأسعار كانت أعلى في فترات تاريخية سابقة، مثل عام 1980 عندما سجلت الأرقام أكثر من 14%. لم تتوقف النقاشات عند هذه النقاط بل اتجهت إلى مواضيع أكثر جدلًا مثل قضية الإجهاض والتي أثارت الكثير من الجدل. قال ترامب إن هاريس تدعم الإجهاض حتى الشهر التاسع، محذرًا من ما وصفه بـ "إعدام" الأطفال بعد الولادة. لكن الحقائق تشير إلى أن الإجهاض في الشهور الأخيرة من الحمل نادر جدًا ورغم أنه يحدث، فإن التشريعات القانونية في جميع الولايات تجرم مثل هذه الأفعال. ومن الجدير بالذكر أن الجانب الأمني لم يكن بعيدًا عن النقاش، حيث ادعى ترامب أن هناك ملايين من المهاجرين غير الشرعيين يدخلون الولايات المتحدة بشكل يومي، مشيرًا إلى أن هؤلاء يمثلون خطرًا على المجتمع. لكن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن الرقم الحقيقي للاعتقالات المتعلقة بالهجرة من قبل قوات الحدود قد بلغ حوالي 56,000 في شهر يوليو فقط، وليس "ملايين الملايين". كذلك، كرر ترامب ادعاءاته أن المهاجرين غير الشرعيين يتم تشجيعهم على التصويت، وهو ادعاء قد تم دحضه مراراً وتكراراً من قبل الخبراء، حيث لا توجد أدلة موثوقة تدعم هذا البيان. الانتخاب من قبل غير المواطنين هو جريمة اتحادية ويمكن أن يتعرض مرتكبها للعقوبات. أما فيما يتعلق بحادثة اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، فقد أثار ترامب الجدل حول تصريحات تقديمه للطلب بنشر الحرس الوطني لحماية الكابيتول، متهما الرئيسة نانسي بيلوسي برفض ذلك. لكن العديد من الحقائق تشير إلى أن قرار نشر الحرس الوطني لم يكن بيدها بل كان تحت سلطة مجلس شرطة الكابيتول. في نهاية المناظرة، لم يكن هناك أي بصيص من الأمل حول تحقيق توافق بين الأطراف. بدلاً من ذلك، أظهر النقاش اختلافاً حاداً بين وجهات النظر، مما يعكس الأوضاع السياسية المضطربة في البلاد. ومع ازدياد الضغوط الاجتماعية والسياسية، تبقى المعلومات المضللة والادعاءات الزائفة تحديًا كبيرًا أمام الناخبين الذين يسعون لفهم الحقائق واستنتاج المواقف من خلال الأسئلة الأكثر أهمية حول مستقبل الولايات المتحدة. سيكون من الضروري للناخبين في الأسابيع المقبلة أن يتمتعوا بالقدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال، وأن يبحثوا عن المعلومات الموثوقة في عالم مليء بالمعلومات المغلوطة. في النهاية، ما زال المشهد السياسي الأمريكي يعاني من انقسام حاد يتطلب فهماً دقيقاً وحواراً موضوعياً حول مستقبل البلاد.。
الخطوة التالية