تواجه مونتينيغرو، الدولة الصغيرة الواقعة في قلب البلقان، تحديات كبيرة في سعيها لتحقيق حلمها في أن تصبح مركزاً بارزاً لتكنولوجيا العملات الرقمية. على الرغم من الآمال الكبيرة التي علقتها الحكومة على هذا القطاع الناشئ، إلا أن العوامل الاقتصادية والسياسية تلقي بظلالها على هذه الرؤية الطموحة. في السنوات الأخيرة، بدأ التركيز على العملات المشفرة يتزايد بشكل ملحوظ في مختلف أنحاء العالم. تعتبر مونتينيغرو إحدى الدول التي تسعى لاحتضان هذا الاتجاه العالمي، خاصة في ظل احتياجها للتطوير الاقتصادي وزيادة الاستثمارات. في عام 2022، أُطلقت مبادرة لإنشاء إطار تنظيمي خاص للعملات الرقمية، حيث تم الإعلان عن خطط لإطلاق عملة رقمية وطنية، كما تم فتح المجال أمام الشركات الناشئة في هذا القطاع للاستثمار والعمل في البلاد. لكن الأمور لم تسر كما كان متوقعًا. على الرغم من الجهود المبذولة لإنشاء بيئة مواتية لنمو هذا القطاع، إلا أن حكومة مونتينيغرو تواجه العديد من التحديات التي تعيق تقدمها نحو تحقيق طموحاتها. من بين هذه التحديات، يبدو أن هناك عدم توافق بين مختلف الجهات الحكومية حول كيفية تنظيم هذا القطاع. حيث تتصارع وزارات المالية والاقتصاد مع بعضها البعض بشأن كيفية إدارة العملات الرقمية وأفضل السبل لتعزيز النمو دون تجاوز المخاطر المحتملة. علاوة على ذلك، فإن الوضع السياسي الحالي في مونتينيغرو يزيد من تعقيد الأمور. تعاني البلاد من أزمة سياسية خانقة، حيث تتوجه الأنظار نحو الانتخابات المقبلة، ما يشكل إضافةً إلى عدم الاستقرار العام. هذا الوضع يخلق حالة من عدم اليقين، مما يجعل الاستثمارات الخارجية أكثر ترددًا. فالعديد من المستثمرين يفضلون الانتظار لمعرفة كيف ستحل الأوضاع السياسية قبل الالتزام برؤوس أموالهم في السوق المحلية. وفي الواقع، لم يكن ضعف تنظيم قطاع العملات الرقمية أو الوضع السياسي هو السببان الوحيدان وراء تأخر تنفيذ المشاريع. بل إن هناك أيضاً مشكلات بنية تحتية في مجالات مثل التكنولوجيا والطاقة. على سبيل المثال، يتطلب تعدين العملات الرقمية كميات هائلة من الطاقة، وهو ما يفرض ضغوطًا على شبكة الطاقة المحلية، التي تعاني بالفعل من مشكلات في الاستقرار والكفاءة. إذًا، تواجه مونتينيغرو تحديات إضافية تتعلق بالاستدامة البيئية في ظل البحث عن توازن بين تطوير صناعة العملات الرقمية والحفاظ على البيئة. من جهة أخرى، يبرز تساؤل حول كيفية تحقيق دول أخرى النجاح في هذا القطاع في حين لا تزال مونتينيغرو تبحث عن آلية لتحقيق ذلك. على سبيل المثال، حققت دول مثل مالطا وسويسرا نجاحات ملحوظة في جذب الشركات الرقمية بفضل سياسة تنظيمية واضحة وبيئة استثمارية جذابة. إن نجاح هذه الدول يعتمد على قدرتها على تقديم التوجيه والتسويق المبني على الأبحاث والدراسات، وهو ما تأمل مونتينيغرو في تحقيقه. وفي ظل هذه التحديات، تبذل الحكومة جهودًا للتواصل مع المستثمرين وتعزيز الوعي حول الفوائد المحتملة للعملات الرقمية. يُعقد في الآونة الأخيرة العديد من المؤتمرات وورش العمل التي تستهدف جذب الشركات المحتملة وتقديم المعلومات اللازمة حول كيفية العمل في السوق المحلية. كما يتم التفكير في إنشاء مناطق اقتصادية خاصة تشجع على الابتكار والاستثمار في مجال تكنولوجيا البلوك تشين. لكن المراقبين يرون أن النجاح سيكون بعيد المنال ما لم يتم حل التحديات الجوهرية المذكورة سابقًا. من الضروري أن تتخذ الحكومة خطوات جادة نحو بناء إطار تنظيمي موحد ومتسق، يعزز من استقرار السوق ويجذب الاستثمارات. يجب أن تسعى الحكومة أيضًا لتعزيز الشراكات مع الجامعات ومراكز الأبحاثللتطوير في هذا القطاع، مما يدعم الابتكار ويعزز الكفاءات المحلية. يعد الفقر التعليمي والمعرفي حول العملات الرقمية من المعوقات الهامة. لذا، تتطلب المرحلة المقبلة، استثمارات في بناء مهارات الأفراد في المجالات التكنولوجية المتعلقة بالشبكات الرقمية. يُمكن لتوفير برامج تدريبية ودورات أكاديمية أن يسهم في تزويد الشباب بالمعرفة اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل في هذا المجال. ختامًا، يبدو أن حلم مونتينيغرو في أن تصبح مركزًا للعملات الرقمية لا يزال في مرحلة الترقب. يجب على الحكومة، في مواجهة هذه التحديات، أن تتبنى نهجًا شاملًا يجمع بين السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا، لتتمكن من استغلال هذا القطاع الحيوي بشكل فعّال. فمشوار النجاح سيكون مملوءًا بالتحديات، ولكن بالإرادة والتخطيط الجيد، يمكن لمونتينيغرو أن تضع قدمها على خريطة الابتكار الرقمي العالمية.。
الخطوة التالية