احذر من دفع الحكومة نحو العملة الرقمية في الأشهر القليلة الماضية، تطور النقاش حول العملات الرقمية بشكل متسارع، خاصة مع ازدياد الاهتمام الحكومي بها في العديد من الدول. بينما تشهد بعض البلدان بالفعل تجارب ناجحة في التعامل مع العملات الرقمية، فإن البوادر التي تلوح في الأفق تدعو للقلق، حيث يبدو أن هناك دعوات متزايدة من الحكومات لتبني العملة الرقمية بشكل رسمي. ولكن، كما هو الحال في أي شيء يبدو جيدًا في البداية، هناك جوانب مظلمة لهذا التوجه يجب أن نكون حذرين حيالها. تعتبر العملات الرقمية، مثل البيتكوين والإيثيريوم، رموزًا ثورية بدأت كنظام مالي بديل قادر على تجاوز القيود التقليدية التي تفرضها الحكومات والبنوك. وقد أثبتت هذه العملات أنها توفر درجة من الخصوصية وعدم الكشف عن الهوية، مما يجعلها جذابة للعديد من المستخدمين. لكن مع ذلك، يبدو أن الحكومات تتحرك نحو إنشاء عملتها الرقمية الخاصة، ما يثير تساؤلات هامة حول الخصوصية والرقابة الحكومية. اليوم، يُنظر إلى الدفع نحو العملات الرقمية الحكومية على أنه محاولة لتعزيز السيطرة على النظام المالي والمواطنين. إذ ومن خلال تقديم هذه العملات، تسعى الحكومات لجعل كل معاملاتنا مرئية وقابلة للتتبع. بمعنى آخر، يمكن أن تتحول الخصوصية المالية إلى ذكرى بعيدة، حيث سيكون بمقدور السلطات رصد كل عملية شراء أو بيع تقوم بها. تُعرف العملة الرقمية الحكومية بأنها شكل محدث من المال يمكن استخدامه عبر الإنترنت، وتعتبر تقنية لامركزية تسمح بأمان أكبر وكفاءة في الدفع. ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا يحدث عندما يتم دمج هذه التقنية مع السلطة الحكومية؟ في الواقع، يمكن أن تُستخدم هذه الأدوات لمراقبتنا وكبح حريتنا. على مرّ التاريخ، كانت هناك محاولات عديدة من قبل الحكومات لتوسيع سلطاتها، وغالبًا ما يتم تبرير هذه المحاولات باسم الأمن أو مكافحة الجريمة. وفي زمن الأزمات، يكون من السهل إقناع الناس بقبول تقييد حرياتهم مقابل الأمان. وهنا يأتي دور العملة الرقمية، التي يمكن أن تُستخدم كأداة لمراقبة النشاطات المالية، وتجميع البيانات الشخصية، بل وحتى التحكم في كيفية إنفاق الناس لأموالهم. التحذيرات من الاحتكام إلى العملة الرقمية ليست جديدة. حيث أشار الخبراء الاقتصاديون إلى أن الحكومات قد تستخدم هذه الأداة ليس فقط لمراقبة السلوكيات الاقتصادية، ولكن أيضًا لتعديل سلوك المواطنين بطرق لم يسبق لها مثيل. على سبيل المثال، قد تُفرض قيود على ما يمكن للأفراد شراؤه، مما يخلق نوعًا من الرقابة الاجتماعية القوية. من الناحية العملية، إذا اعتمدت الحكومات على عملات رقمية خاصة، سيكون لها القدرة على تحديد عناصر مثل: من يجب أن يحصل على الأموال، وكيف تُستخدم هذه الأموال. وكما هو معروف، فإن التحول نحو نظام رقمي بالكامل يفتح المجال لمستويات جديدة من التحكم. فبدلاً من تحويل الأموال من حساب إلى آخر بحرية، سيكون لدى الحكومة نفوذ كامل على كل معاملة يمكن أن تحدث. فكر في هذا الأمر: إذا تلقى المواطن دعمًا ماليًا عبر العملة الرقمية، هل ستتوقع الحكومة فكرة كيفية إنفاقه؟ كيف سيؤثر ذلك على اختياراتك الشخصية؟ هذا هو السيناريو الذي يجب أن نكون حذرين ضده. أن نكون تحت مجهر المراقبة في كل دقيقة من حياتنا المالية ليس فكرة مشرقة. علاوة على ذلك، تعاني الحكومات من مشكلات في مجال الأمان السيبراني. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة زيادة في الهجمات الإلكترونية التي تستهدف البنية التحتية الحكومية والمالية. تصميم نظام مركزي يقوم على عملة رقمية من شأنه أن يزيد من مخاطر الاختراقات الأمنية واستخدام بيانات المواطنين بطرق غير أخلاقية. إن استخدام العملة الرقمية كوسيلة للتحكم في السلوكيات يحتاج إلى تخوف حقيقي. ففي حين أن هناك فوائد محتملة، مثل تقليل التكاليف المتعلقة بالتحويلات المالية، إلا أن هناك أيضًا مخاطر جسيمة تأتي مع ذلك. في نهاية المطاف، يجب أن نتساءل: هل نحن مستعدون لتقبل ذلك مقابل بعض الفوائد الاقتصادية؟ بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، يجب أن نفكر أيضًا في الأبعاد الثقافية لهذا التحول. ففي مجتمعات تعتمد بشكل كبير على النقد، قد تُعتبر فكرة التحول إلى عملة رقمية بمثابة هجوم على تقاليد وعادات طويلة الأمد. إذًا، كيف ستقبل المجتمعات هذا التغيير؟ هل سيكون هناك قبول شعبي، أم ستثور مقاومة قوية ضد العودة إلى مركزية المال؟ في خلاصة حديثنا، يجب أن ندرك أن دفع الحكومات نحو العملة الرقمية ليس مجرد خطوة نحو التحديث، بل هو تحول عميق قد يمس خصوصياتنا وحرياتنا. إذ ينبغي لنا أن نكون حذرين وأن نضع خصوصيتنا في بؤرة اهتمامنا في هذه الحقبة الجديدة. خلال العقد الماضي، أثبتت التكنولوجيا أنها سلاح ذو حدين، لذلك من المهم أن نكون واعين تمامًا للعواقب المحتملة لهذا النوع من التحول المالي. مع ظهور أدلة جديدة على الكيفية التي يمكن أن تُستخدم بها التكنولوجيا لتقييد الحرية، تصبح مسؤوليتنا أن نتحدى هذه الأنظمة وأن نحافظ على قيمنا الأساسية في خصوصية واستقلالية الأفراد. وفي النهاية، يجب أن نكون مستعدين لمواجهة هذا التحدي بكل ما أوتينا من قوة وعزيمة.。
الخطوة التالية