في السنوات الأخيرة، شهدت العملات الرقمية نمواً ملحوظاً بين الأجيال الشابة، خاصة جيل زد (Gen Z)، الذي يعتبر من أكثر الفئات اندماجاً في التكنولوجيا والابتكار. وفقاً لتقرير حديث صادر عن "أليكسا بلوكتشين" (AlexaBlockchain)، باتت العملات الرقمية الخيار الأول للمستثمرين من جيل زد، مما يعكس تغيرات كبيرة في توجهاتهم المالية واستراتيجيات الاستثمار. تتراوح أعمار جيل زد بين منتصف التسعينات وبداية الألفينيات، ويُعتبر هذا الجيل الأكثر تأثراً بالتكنولوجيا والتواصل الاجتماعي. ففي عالم يتسارع فيه التغير والتطور، يبدو أن جيل زد يستجيب بسرعة لفرص الاستثمار الجديدة، مع التركيز بشكل خاص على عالم العملات المشفرة. تقول الدراسات إن حوالي 55% من جيل زد يعتزمون الاستثمار في العملات الرقمية، في ظل الاهتمام المتزايد بالتعلم حول هذا المجال الجديد. ويعود هذا الاهتمام إلى عدة عوامل، أبرزها القدرة العالية على الوصول إلى معلومات متنوعة عن العملات المشفرة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى الانفتاح على الأفكار المالية غير التقليدية. تعتبر التطبيقات المالية والتداول عبر الهاتف المحمول من الأساسيات في حياة جيل زد. توفر هذه التطبيقات واجهات استخدام سهلة وبسيطة، مما يسهل على المبتدئين في عالم الاستثمار الدخول إلى سوق العملات الرقمية. العديد من المنصات تقدم أيضاً محتوى تعليمياً وأدوات تحليلية تساعد المستخدمين في اتخاذ قرارات مستنيرة. علاوة على ذلك، تشير البيانات إلى أن جيل زد يميل إلى استثمار مبالغ صغيرة في البداية، مما يعكس رغبتهم في تجربة هذه النوعية من الاستثمارات دون المخاطرة بمبالغ كبيرة. هذا الاتجاه يُظهر أنهم أكثر حذراً من الأجيال السابقة، حيث يفضلون استثمارات متدرجة تتناسب مع ميزانياتهم وشغفهم بالتعلم. من الأسباب الرئيسية وراء هذا الاتجاه هو إدراك جيل زد لأهمية التنوع في محفظة الاستثمار. يعتقد الكثير منهم أن الاقتصادات التقليدية ليست كافية لضمان مستقبل مالي مستقر، وبالتالي يتجهون نحو العملات الرقمية كوسيلة لتنويع مصادر الدخل. هذا يبرز أيضاً الاتجاه العام نحو دعم الفكرة القائلة بأن العملات المشفرة قد تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي في المستقبل. وفي هذا السياق، تُشير الدراسات إلى أن جيل زد لا ينظر فقط إلى الربح المالي عند التفكير في العملات الرقمية، بل يُقدِّر أيضاً القيم المرتبطة بها. مثلاً، الكثير من الشباب يهتمون بتقنية البلوكتشين التي تعتمد عليها هذه العملات، حيث يرون فيها حلاً لمشاكل النظام المالي التقليدي، مثل الفساد وعدم الشفافية. وبالتالي، يرغب جيل زد في أن يكون جزءاً من التغيير الإيجابي في العالم من خلال استثماراتهم. لكن، كما هو الحال مع أي نوع من الاستثمار، توجد مخاطر مرتبطة بالاستثمار في العملات الرقمية. تعتبر التقلبات السعرية أحد أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين الجدد. لكن، في الوقت ذاته، يجد الكثير من جيل زد أن هذه المخاطر متساوية مع العوائد المحتملة، مما يؤكد على عقلية المغامرة التي يتميز بها هذا الجيل. إلى جانب ذلك، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن تجاهله. تعتبر منصات مثل تيك توك، وإنستغرام، وتويتر، منبرًا مهمًا لنشر المعلومات حول العملات الرقمية، حيث يتبادل الشباب تجاربهم ونصائحهم. الكثير منهم يكتشفون استراتيجيات جديدة للتعامل مع سوق العملات الرقمية من خلال المحتوى الذي يُنشَر على هذه المنصات، مما يعزز من ثقافتهم المالية. لا يقتصر اهتمام جيل زد بالاستثمار في العملات الرقمية على الربح فقط، بل ينظرون أيضاً إلى كيفية تأثير تلك العملات على عالمهم. يؤمن الكثيرون بأن العملات الرقمية يمكن أن تسهم في تحقيق المزيد من العدالة المالية وتسهيل الوصول إلى الخدمات المالية، خاصة في الدول النامية. تُظهر الإحصائيات أن حوالي 40% من جيل زد يعتقدون أن العملات الرقمية يمكن أن توفر بديلاً مستقلاً للنظام المصرفي التقليدي، ويعكفون على استخدام هذه الأدوات المالية لتعزيز استقلاليتهم المالية. هذا الفكر يتماشى مع تطلعاتهم لتحقيق الحرية المالية وتحسين ظروف حياتهم. كما أن الاهتمام المتزايد بالبيئة والاستدامة يؤثر أيضاً على توجهات جيل زد في الاستثمار. يُظهر العديد من الشباب اهتماماً بالعملات الرقمية التي تُعنى بالاستدامة وتقديم حلول لمشاكل بيئية. تعتبر العملات المشفرة التي تعتمد على الطاقة المتجددة أو تقلل من البصمة الكربونية خياراً جذاباً للكثير منهم. لذا، نجد أن العملات الرقمية ليست مجرد مادة للاستثمار، بل تمثل أيضاً رؤية شاملة لكيفية تغيير العالم. ولذا، فإن جيل زد ليس مجرد مستثمرين، بل هم رواد تغيير ومنخرطين في عملية تشكيل المستقبل. في النهاية، يمكن القول إن العملات الرقمية باتت تمثل رؤية جيل زد المالية والثقافية. مع تزايد اهتمامهم وتوجهاتهم نحو الابتكار، يبدو أن هذا الجيل سيستمر في دفع حدود الاستثمار التقليدي والتفكير بطريقة جديدة تتناسب مع تطلعاتهم ورغباتهم. مع هذه الرؤية المتفائلة، يجب أن نكون مستعدين لرؤية المزيد من الابتكارات والتغييرات في عالم المال والأعمال، حيث سيكون لجيل زد دور كبير في صياغة مستقبل مستدام ومزدهر.。
الخطوة التالية