تعتبر عملية تطوير ونقل التكنولوجيا من العوامل الأساسية التي تسهم في التصدي للتحديات البيئية والاقتصادية التي تواجهها الدول، خاصة في سياق التغير المناخي. تتعامل التكنولوجيا، في هذا الإطار، مع قضايا مثل تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز القدرة على التكيف مع آثار التغير المناخي من خلال استخدام تقنيات جديدة ومبتكرة. يُعرف مفهوم التكنولوجيا المناخية، وهو جزء لا يتجزأ من الاستجابة العالمية لأزمة المناخ، بأنه مجموعة من التقنيات المستخدمة لمواجهة التحديات الناتجة عن التغير المناخي. تشمل هذه التقنيات مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، كما تتضمن تقنيات التكيف مع التغير المناخي، مثل المحاصيل المقاومة للجفاف وأنظمة الإنذار المبكر والجدران البحرية. كما تغطي التقنيات "الناعمة" التي تتعلق بالممارسات الفعالة في استخدام الطاقة أو التدريب على كيفية استخدام المعدات. منذ تأسيس اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في عام 1992، كان تطوير ونقل التكنولوجيا حدثاً محورياً في سياق العمل الدولي لحماية البيئة. جرت الإشارة إلى ضرورة التعاون في تطوير ونقل هذه التكنولوجيا، بهدف تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة. ويشدد الاتفاق على أهمية دفع الدول المتقدمة إلى اتخاذ خطوات عملية من أجل تعزيز وتسهيل وتمويل نقل التكنولوجيا المناخية إلى الدول النامية. وفي السنوات الأخيرة، اكتسبت قضايا نقل التكنولوجيا الخاصة بالتكيف مع التغير المناخي أهمية متزايدة، حيث تبرز اتفاقية باريس رؤية واضحة لاستكمال تطوير ونقل التكنولوجيا، بهدف تحسين القدرة على التكيف مع التغير المناخي وتقليل الانبعاثات. وقد وضعت هذه الاتفاقية إطاراً للتكنولوجيا بهدف تقديم التوجيه الشامل لآلية التكنولوجيا. تعتبر آلية التكنولوجيا من المؤسسات المهمة التي تم إنشاؤها بهدف تسريع وتعزيز تطوير ونقل التكنولوجيا المناخية. تم تأسيس هذه الآلية في عام 2010 من قبل مؤتمر الأطراف (COP) وتضم لجنتين تكملان بعضهما البعض: لجنة التنفيذ التكنولوجي ومركز التكنولوجيا المناخية والشبكة. كما أن هذه الآلية تلعب دوراً مهماً في دعم اتفاقية باريس. تتكون لجنة التنفيذ التكنولوجي من 20 خبيراً يتخصصون في قضايا التكنولوجيا من الدول النامية والمتقدمة، ويضطلعون بدور تحليل السياسات وتقديم التوصيات التي تدعم البلدان في تعزيز جهودها بشأن التكنولوجيا المناخية. تجتمع اللجنة عدة مرات في السنة وتقوم بتنظيم أحداث تكنولوجية تهدف إلى مناقشة القضايا الرئيسة المتعلقة بالسياسات التكنولوجية. أما مركز التكنولوجيا المناخية والشبكة، فهو الذراع التنفيذي للآلية ويعمل على دعم البلدان في تنفيذ مشاريع وبرامج التكنولوجيا المناخية. يتمتع المركز بثلاث خدمات رئيسية: تقديم المساعدة الفنية للدول النامية، وتعزيز الوصول إلى المعرفة حول التكنولوجيا المناخية، وتسهيل التعاون بين أصحاب المصلحة في مجال التكنولوجيا المناخية. يدرك المركز أهمية تقييم الاحتياجات التكنولوجية لتحقيق استجابة فعالة للتغير المناخي، ولهذا تجرى عملية تقييم الاحتياجات التكنولوجية (TNAs) في الدول النامية. تساعد هذه التقييمات في تحديد الأولويات المتعلقة بتكنولوجيا المناخ وتساهم في بناء القدرة الوطنية اللازمة لتنفيذ هذه التكنولوجيا. منذ عام 2001، أتمّت أكثر من 85 دولة نامية إجراء تقييمات احتياجاتها التكنولوجية. لبناء استراتيجيات فعالة للتكيف مع التغير المناخي، يجب على الدول تطوير خطط عمل تكنولوجية تتزامن مع تقييم احتياجاتها. حظيت هذه الخطط، منذ عام 2010، بتركيز خاص من قبل الدول النامية، حيث صاغت استراتيجيات عملية لدعم أولوياتها التكنولوجية. مع بروز الثورة الرقمية، كانت آلية التكنولوجيا تسعى لتبني الابتكارات الجديدة، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي، من خلال مبادرة جديدة تم الإعلان عنها تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي للعمل المناخي" (#AI4ClimateAction). تهدف هذه المبادرة إلى استكشاف دور الذكاء الاصطناعي كأداة تكنولوجية رئيسية تعزز وتحسن الحلول المناخية في الدول النامية، مع التركيز على الدول الأقل نمواً والبلدان الصغيرة. يمكن القول إن تنمية ونقل التكنولوجيا يمثلان جسرًا حيويًا يربط بين الطموحات العالمية والجهود المحلية لمواجهة التغير المناخي. إن الفعالية الكاملة لنقل التكنولوجيا تعتمد على التعاون الدولي واستثمار الموارد بشكل مناسب يعكس الالتزام الجماعي لمواجهة التحديات البيئية. إذا ما تم تنفيذ هذه الآليات بشكل قوي وفعّال، فإننا قد نشهد تحولا حاسما في كيفية تعامل العالم مع القضايا البيئة، مما قد يؤدي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز القدرة على التكيف مع آثار التغير المناخي. عندما نتبنى رؤية شاملة لتطوير ونقل التكنولوجيا، فإننا نفتح الأبواب أمام حلول مبتكرة تخدم مصلحة البشرية والبيئة معًا، مما يشجع على التعاون بين الدول لاستثمار التكنولوجيا بأفضل الطرق الممكنة. إن التحديات التي يواجهها كوكبنا تستدعي أن نتحد جميعاً كعالم واحد، حيث أن التنمية التكنولوجية والنقل الفعّال لها هما أدواتنا الأساسية في هذا المسار. آخر المطاف، نحن بصدد بناء مستقبل أكثر استدامة، حيث تلعب التكنولوجيا دورًا حيويًا في تحقيق ذلك.。
الخطوة التالية