العملات الرقمية: هل يمكن أن تكون خضراء يومًا ما؟ لقد حظيت العملات الرقمية، وخاصةً البيتكوين، بسمعة سيئة على صعيد التوجهات البيئية. في وقت تمتزج فيه الاستثمارات التقليدية بشكل متزايد مع قيم الاستدامة والحوكمة البيئية، توصل الخبراء إلى رأيٍ مفاده أن العملات الرقمية لا تساهم فقط في تدمير البيئة، بل تُعَدّ من أخطر الممارسات البيئية الحالية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل إمكانية تحول هذه العملات نحو مسارات أكثر استدامة في المستقبل. يمثل التحول نحو الاستدامة البيئية أحد أهم التحديات التي يواجهها عصرنا الحديث. فبينما تتحرك الحكومات والشركات نحو تحقيق أهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية، تجد العملات الرقمية نفسها في مرمى الانتقادات. للوهلة الأولى، يبدو التعامل مع العملات الرقمية، التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة، أمرًا غير متوافق مع الأهداف البيئية. تعود مشكلات الطاقة الكبيرة الغير مستدامة في العملات الرقمية إلى عملية التعدين، وهي عملية ضرورية لضمان سلامة العمليات المالية وإصدار العملات الجديدة. تعتمد معظم العملات، بما في ذلك البيتكوين، على آلية تُعرف باسم "إثبات العمل" (Proof of Work)، حيث يقوم المعدنون باستخدام أجهزة حاسوبية متخصصة لحل معادلات رياضية معقدة. تستدعي هذه العملية استهلاكاً مكثفاً للطاقة، مما ينعكس سلبًا على البيئة. تشير التقديرات إلى أن شبكة البيتكوين، على سبيل المثال، كانت تستهلك كمية من الطاقة أكثر مما تستهلكه بعض البلدان بأكملها. وفقًا لدراسات صدرت عن مؤسسات مثل جامعة الأمم المتحدة، فإن الأثر البيئي للتعدين يمكن أن يكون مروعًا؛ قد يعادل بصمة الكربون للبيتكوين حرق حوالي 38 مليار طن من الفحم، بالإضافة إلى البصمة المائية التي يمكن أن تلبي احتياجات أكثر من 300 مليون شخص في مناطق إفريقيا. ومع ذلك، فإن الوضع لا يخلو من الأمل. فقد بدأت بالفعل بعض الأطراف في صناعة العملات الرقمية بالاعتراف بضرورة تغيير العادات والممارسات لجعل هذه الصناعة أكثر استدامة. في عام 2021، قامت مجموعة من الشركات بتوقيع "ميثاق المناخ للعملات الرقمية" الذي يهدف إلى خفض انبعاثات الكربون إلى صفر بحلول عام 2040. تتضمن الخطط المرحلية لهذه المبادرة تحقيق استخدام الطاقة المتجددة بالكامل بحلول عام 2025. حالياً، هناك بعض التطورات التقنية التي تشير إلى أن صناعة العملات الرقمية بدأت في اتخاذ خطوات نحو التحول المستدام. من خلال اعتماد أنظمة أكثر كفاءة، يتم تقليل استهلاك الطاقة. على سبيل المثال، عندما قامت الإثريوم بالانتقال من إثبات العمل إلى "إثبات الحصة" (Proof of Stake)، أدت هذه الخطوة إلى تقليل استهلاكها للطاقة بنسبة قريبة من 100%. تعتبر العملات التي تستخدم آلية إثبات الحصة أقل استهلاكاً للطاقة، حيث تعتمد على ضرورة "تخزين" أو "تجميد" عملات معينة للتحقق من العمليات والتسجيل، بدلاً من حل المعادلات الرياضية المعقدة. وهذا يساهم في تخفيض استهلاك الطاقة بشكل كبير، حيث لا تحتاج هذه العملية إلى نفس الكمية من الحوسبة مثل إثبات العمل. ولايزال أمام العملات الرقمية طريق طويل لتحقيق أهداف الاستدامة. يُعتبر توحيد الجهود بين الشركات والحكومات والمستثمرين أمراً حيوياً. إلا أن هناك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها للتوجه نحو استدامة حقيقية. من بينها: 1. **التوجه نحو الطاقة المتجددة**: يجب على شركات التعدين الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. يُمكن استخدام الطاقة الشمسية والريحية لتقليل التأثير السلبي على البيئة. 2. **تعزيز الشفافية والتنظيم**: من المهم إنشاء أطر تنظيمية واضحة لمراقبة الاستخدام البيئي للعملات الرقمية. وهذا سيساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا بشأن الاستثمارات التي تتوافق مع قيمهم البيئية. 3. **التوعية والتثقيف**: يجب زيادة وعي الجماهير حول الآثار البيئية للعملات الرقمية وأهمية التحول نحو ممارسات أكثر استدامة. هذا سيساهم في تغيير سلوكيات المستهلكين وكذلك دعوة الشركات لتحقيق معايير أعلى من الاستدامة. 4. **الدعم والتعاون**: يحتاج القطاع الخاص إلى دعم الحكومات والمنظمات الدولية في رحلتهم نحو الاستدامة. يمكن أن تشمل المبادرات مشاريع مشتركة وتعاون في مجال التكنولوجيا المستدامة. مع تزايد الوعي البيئي حول تأثير العملات الرقمية، يكتسب الاتجاه نحو الاستدامة قوة دفع متزايدة. قد يكون ذلك عاملًا محفزًا للشركات والمستثمرين للنظر في الطرق التي يمكنهم من خلالها التوجه نحو نموذج أكثر خضرة في المستقبل. في الختام، بينما تواجه العملات الرقمية تحديات بيئية ضخمة، فإن التحول نحو استدامة حقيقية ليس مستحيلاً. إذا تمكنت الصناعة من أخذ زمام المبادرة وتطبيق التقنيات والجوانب التنظيمية الصحيحة، فقد تكون لدينا فرصة لرؤية عصر جديد من العملات الرقمية، لا يضر بالبيئة بل يساعد على تعزيز مستقبل أخضر. إجمالاً، يمكن القول إن هناك إشارات تدل على إمكانية وجود عملات رقمية خضراء في المستقبل، وعلينا جميعًا أن نؤدي دورنا في تشجيع هذه التحولات نحو الاستدامة.。
الخطوة التالية