في السنوات الأخيرة، أصبحت العملة الرقمية واحدة من أكثر الموضوعات مناقشة في العالم المالي، حيث تغيرت طريقة تفكيرنا حول المال والقيمة. في هذا السياق، لا بد لنا من إلقاء الضوء على تاريخ نيوزيلندا المالي، إضافة إلى دور العملتين المشهورتين: الدولار الرقمي المركزي (CBDC) وبتكوين. نيوزيلندا، التي عُرفت بموقعها الجميل وثقافتها الغنية، مرت بتطورات مالية كبيرة على مر السنين. مرت البلاد بفترة استعماريّة حيث تأثرت بالنظام المالي البريطاني، وبدأت في استخدام العملات الورقية في تسعينات القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت، منحت الحكومة النيوزيلندية الأولوية للاستقرار النقدي ووزن العملة، مما أسهم في تطوير نظام مالي قوي. في ذلك العصر، لم يكن مفهوم الدولار الرقمي المركزي أو العملة المشفرة موجودًا. لقد كان الاقتصاد يعتمد على النمو المستدام، وفي الثمانينات، شهدت نيوزيلندا تحولاً جذريًا في سياساتها الاقتصادية. تطبيق مجموعة من الإصلاحات أتاح لها الانفتاح على السوق العالمية وخلق بيئة جاذبة للاستثمار. وبالتدريج، سمحت هذه الإصلاحات بتطوير الأنظمة المالية الجديدة التي تتماشى مع التغيرات العالمية. مع ظهور تكنولوجيا blockchain في عام 2009، ظهرت بتكوين كأول عملة رقمية. بتكوين قدمت مفهومًا جديدًا يتمثل في تبادل القيمة دون الحاجة لجهة مركزية مثل البنوك. هذا الابتكار جذب انتباه المستثمرين وعشاق التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك نيوزيلندا. فقد قدمت بتكوين الحل للكثيرين الذين كانوا يعانون من عدم الفهم أو الثقة في الأنظمة المصرفية التقليدية. مع ذلك، لم تكن بتكوين العملة الرقمية الوحيدة التي جذبت الانتباه في نيوزيلندا. ففي السنوات الأخيرة، طرحت الحكومة النيوزيلندية فكرة إصدار الدولار الرقمي المركزي. يُعتبر CBDC عملة رقمية تصدرها وتدعمها الحكومة، ويعتبرها الكثيرون الأداة المثالية لمواجهة تحديات مستقبل المال. يُعتقد أن إطلاق الدولار الرقمي المركزي يمكن أن يحسن الوصول إلى الخدمات المالية، ويقلل من التكاليف، ويزيد من أمان المعاملات. ومع ذلك، يتبنى البعض الآخر رؤية مختلفة. إن مؤيدي بتكوين يرون أنها عملة حرة، تعتمد على قوة السوق ككل، وليس الحكومة. هذه العملة غير مركزية، مما يعني أنها لا تتأثر بتغيرات السياسات الحكومية أو التضخم. في نظرهم، بتكوين تمثل المستقبل المالي، حيث يستطيع الناس الاستغناء عن الوسيط، مثل البنوك، في معاملاتهم اليومية. وقد شهدت بتكوين في السنوات الأخيرة نموًا كبيرًا، مما دفع العديد من الشركات والمستثمرين النيوزيلنديين إلى استكشاف هذه العملة الرقمية. في هذا السياق، يتبادر إلى الأذهان سؤالٌ مهم: هل يجب على نيوزيلندا أن تتبنى الدولار الرقمي المركزي أم تواصل دعمها لبتكوين وبقية العملات الرقمية؟ يبدو أن الاتجاه نحو CBDC يتماشى مع خصوصيات السياسة النقدية للبلاد. كثير من المراقبين يرون أن وجود عملة رقمية تدعمها الحكومة قد يساعد على تحسين إدارة السياسة النقدية، خاصة في الأوقات الاقتصادية الصعبة مثل جائحة كوفيد-19. لكن، في المقابل، يشير بعض المحللين إلى أن إنشاء عملة رقمية مركزية يمكن أن يهدد الخصوصية المالية للأفراد. هل سيكون هناك خطر في أن تعطي الحكومة السيطرة على المعاملات المالية للمواطنين، مما يؤدي إلى استخدام هذه البيانات في رصد الأنشطة الاقتصادية؟ هذه المخاوف تلقي بظلالها على النقاش حول الدولار الرقمي المركزي. بينما تتقدم نيوزيلندا نحو تطبيق التكنولوجيا الرقمية، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التنوع في الخيارات المتاحة. فبالإضافة إلى بتكوين، هناك العديد من العملات الرقمية الأخرى التي تقدم إمكانيات متنوعة. من المهم أن يتم تعليم المواطنين حول هذه الفرص المالية الجديدة وكيفية استخدامها بشكل آمن وفعال. بغض النظر عن الاتجاه الذي تختاره نيوزيلندا في النهاية، يتضح أن هناك حاجة إلى تنظيم وتشريع دقيقين لحماية المستهلكين وتعزيز الابتكار في القطاع المالي. يجب أن تكون هناك مناقشة مفتوحة حول الفوائد والمخاطر المحتملة لكل من CBDC وبتكوين، وكيف يمكن لهذه العملات الرقمية أن تساهم في تعزيز الاستقرار المالي. يبدو أن المستقبل يحمل إمكانيات غير محدودة. في عصر التكنولوجيا الرقمية، لم تتغير فقط طريقة تعاملنا مع المال، بل امتد هذا التغيير ليشمل أساليب جديدة للاستثمار والادخار. يخطط الكثيرون للبقاء على اطلاع دائم على تطورات العملات الرقمية، سواء كانت تقليدية أو مركزية. إن نيوزيلندا، بوصفها واحدة من الدول الرائدة في عالم الابتكار المالي، تجد نفسها في مفترق طرق. هل ستمضي قدماً نحو العملة الرقمية المركزية، أم ستحتفظ بدعمها لبتكوين والعملات المشفرة الأخرى؟ ستظل هذه الأسئلة مطروحة للنقاش، ولكن ما هو مؤكد هو أن نيوزيلندا تتجه نحو مستقبل رقمي يضمن للمواطنين خيارات متنوعة لتعزيز رفاهيتهم المالية. في النهاية، سيتطلب التقدم نحو أي من الخيارين توازنًا دقيقًا بين الابتكار العلمي والتنظيم الحكومي. كما أن هناك حاجة إلى حوار مجتمعي شامل حول كيفية تحقيق أعلى مستوى من الفائدة الاجتماعية من هذا التحول الرقمي. ولذا، فإن نيوزيلندا تقف في موقع مثير للاهتمام، حيث تتطلع نحو المستقبل بآمال واعدة.。
الخطوة التالية